تأتي حوادث إحراق الذات المسجّلة في المغرب خلال الأشهر الأخيرة، كظاهرة مقلقة بين فئات المجتمع الهشّة
قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع، في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أقدم المواطن المغربي عبد السلام الصالحي على إحراق نفسه في مدينة العيون الصحراوية، احتجاجاً على بطالته. وقبله، في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أحرق تلميذ نفسه في الرباط على خلفية رفض المدرسة متابعة تعليمه. وتأتي الحادثتان بعد إقدام مي فتيحة على إنهاء حياتها من خلال إحراق نفسها احتجاجاً على مصادرة أرغفة البغرير التي كانت تبيعها، وذلك في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي.
أخبار إحراق الذات تتوالى في المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، كأسلوب احتجاجيّ يصفه كثيرون بالعنيف وغير المقبول. من جهتهم، هؤلاء الذين أقدموا على هذه "التجربة"، يرون أنّهم "مجبرون وليسوا أبطالاً". الشعور بالغبن أو "الحكرة" كما يسمّى في البلاد، هو الدفاع الرئيس هنا.
عبد السلام الصالحي مواطن فقير يقطن في مدينة العيون (جنوب) من دون عمل ثابت. هو ربّ عائلة أرهقته مشاكل الحياة اليومية والأسرية، لا سيّما أنّ زوجته هجرته مع أبنائهما الأربعة وتركته وحيداً يصارع الحياة والحاجة. وكان الصالحي قد حصل على رسالة من القصر الملكي في عام 1998 توصي بتشغيله في مدينة العيون، بعدما تقدّم بطلب على خلفيّة بطالته وحاجته إلى العمل. لكنّه منذ ذلك الحين، يبحث عن مخرج لمشكلته، ويطالب بتنفيذ توجيهات الملك بتشغيله. وبعدما لم يجد أيّ آذان صاغية، نفّذ وعيده بإحراق نفسه احتجاجاً على الشعور بـ"الغبن"، وفق ما يقول مقرّبون منه. وفي الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وبعدما رفض مسؤولون محليون استقباله والاستجابة لطلبه بتنفيذ ما جاء في "الرسالة الملكية" لعدم توفّر أيّ وظائف، استبدّ به غضب عارم وأسرع لشراء البنزين قبل أن يتوجّه إلى مقرّ ولاية (محافظة) العيون ويشعل أمامها النار في جسده الذي غطّته حروق خطرة من الدرجة الثالثة. وحتى الساعة، ما زال يتلقّى علاجه في المستشفى.
اقــرأ أيضاً
قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع، في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أقدم المواطن المغربي عبد السلام الصالحي على إحراق نفسه في مدينة العيون الصحراوية، احتجاجاً على بطالته. وقبله، في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أحرق تلميذ نفسه في الرباط على خلفية رفض المدرسة متابعة تعليمه. وتأتي الحادثتان بعد إقدام مي فتيحة على إنهاء حياتها من خلال إحراق نفسها احتجاجاً على مصادرة أرغفة البغرير التي كانت تبيعها، وذلك في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي.
أخبار إحراق الذات تتوالى في المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، كأسلوب احتجاجيّ يصفه كثيرون بالعنيف وغير المقبول. من جهتهم، هؤلاء الذين أقدموا على هذه "التجربة"، يرون أنّهم "مجبرون وليسوا أبطالاً". الشعور بالغبن أو "الحكرة" كما يسمّى في البلاد، هو الدفاع الرئيس هنا.
عبد السلام الصالحي مواطن فقير يقطن في مدينة العيون (جنوب) من دون عمل ثابت. هو ربّ عائلة أرهقته مشاكل الحياة اليومية والأسرية، لا سيّما أنّ زوجته هجرته مع أبنائهما الأربعة وتركته وحيداً يصارع الحياة والحاجة. وكان الصالحي قد حصل على رسالة من القصر الملكي في عام 1998 توصي بتشغيله في مدينة العيون، بعدما تقدّم بطلب على خلفيّة بطالته وحاجته إلى العمل. لكنّه منذ ذلك الحين، يبحث عن مخرج لمشكلته، ويطالب بتنفيذ توجيهات الملك بتشغيله. وبعدما لم يجد أيّ آذان صاغية، نفّذ وعيده بإحراق نفسه احتجاجاً على الشعور بـ"الغبن"، وفق ما يقول مقرّبون منه. وفي الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وبعدما رفض مسؤولون محليون استقباله والاستجابة لطلبه بتنفيذ ما جاء في "الرسالة الملكية" لعدم توفّر أيّ وظائف، استبدّ به غضب عارم وأسرع لشراء البنزين قبل أن يتوجّه إلى مقرّ ولاية (محافظة) العيون ويشعل أمامها النار في جسده الذي غطّته حروق خطرة من الدرجة الثالثة. وحتى الساعة، ما زال يتلقّى علاجه في المستشفى.
قبل الصالحي، أقدم تلميذ في السادسة عشرة من عمره في مدينة الرباط، على إحراق نفسه احتجاجاً على قرار فصله من الثانوية حيث يتابع تعليمه. فالمدير رفض عودته إلى مقاعد الدراسة، بينما وافق على عودة عدد من زملائه المطرودين، وفق رواية أسرته المفجوعة. كان ذلك في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
أمّا مي (أمي) فتيحة، فهي كانت قد شغلت المغاربة قبل أشهر، بعدما وضعت حداً لحياتها عبر إحراق نفسها احتجاجاً على مصادرة بضاعتها من البغرير التي تعيل بها عائلتها، وقع ذلك بعد صفعة تلقتها من أحد رجال السلطة في مدينة القنيطرة، في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي. يُذكر أنّ قبل ذلك بنحو شهر فقط، في 31 مارس/ آذار 2016، أقدم بائع الفراولة سعيد خ. البالغ من العمر 19 عاماً، على إحراق نفسه في مدينة تازة (شمال) للأسباب ذاتها، مصادرة بضاعة عربته.
يعيد المعالج والمحلل النفسي محمد قجدار "حالات إضرام النار في الذات إلى الاحتجاج على أوضاع معينة. وقد بات المجتمع المغربي يشهدها بين الفينة والأخرى، لتتحوّل إلى ظاهرة مقلقة". ويتحدّث لـ "العربي الجديد" عن "مشاعر الاحتقان النفسي التي تتراكم داخل المرء، الذي غالباً ما يكون من فئات اجتماعية فقيرة أو هشّة اقتصادياً". يضيف قجدار أنّ "تراكم المشاعر السلبية من شعور بالعجز من جرّاء الفقر، وكذلك الإحساس بعدم امتلاك أشياء كثيرة وعدم القدرة على تحقيق الأماني، بالإضافة إلى تصرّف طائش وغير محسوب العواقب من قبل سلطة تزيد من حدّة تلك المشاعر، كلّ ذلك يدفع المواطن إلى تصنيف نفسه مضطهداً ومحتقرا، وهو ما تدلّ عليه كلمة الحكرة، وصولا إلى الإقدام على إشعال النيران في جسده. فهو لم يعد يحتمل الأعباء ولا تبعاتها النفسية والاجتماعية".
ويؤكّد قجدار أنّ "كل الذين أقدموا على إضرام النار في أجسادهم احتجاجاً، يملكون في الغالب نفسيّة هشة ميالة إلى اضطهاد الذات والشعور بالدونية، من جرّاء ممارسات اجتماعية ونفسية متراكمة منذ الصغر أحياناً... فيكون الحلّ أمامهم سكب سائل مشتعل على أجسادهم، للانتحار أو لإثارة ملفّه بطريقة عنيفة، إذ لم يتمكّن من تحقيق ما يحتاجه وقد سدّت الأبواب في وجهه".
ويشير قجدار إلى أنّ "ظاهرة محمد البوعزيزي في تونس صارت بمثابة موضة احتجاجية انتقلت عدواها إلى عدد من البلدان العربية، ومنها المغرب. بالتالي، أضحى كلّ من تعرّض إلى ضغط أو رفض من قبل السلطة، خصوصاً في حالة البطالة أو مصادرة بضاعة الباعة المتجولين، مشروع بوعزيزي".
اقــرأ أيضاً
أمّا مي (أمي) فتيحة، فهي كانت قد شغلت المغاربة قبل أشهر، بعدما وضعت حداً لحياتها عبر إحراق نفسها احتجاجاً على مصادرة بضاعتها من البغرير التي تعيل بها عائلتها، وقع ذلك بعد صفعة تلقتها من أحد رجال السلطة في مدينة القنيطرة، في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي. يُذكر أنّ قبل ذلك بنحو شهر فقط، في 31 مارس/ آذار 2016، أقدم بائع الفراولة سعيد خ. البالغ من العمر 19 عاماً، على إحراق نفسه في مدينة تازة (شمال) للأسباب ذاتها، مصادرة بضاعة عربته.
يعيد المعالج والمحلل النفسي محمد قجدار "حالات إضرام النار في الذات إلى الاحتجاج على أوضاع معينة. وقد بات المجتمع المغربي يشهدها بين الفينة والأخرى، لتتحوّل إلى ظاهرة مقلقة". ويتحدّث لـ "العربي الجديد" عن "مشاعر الاحتقان النفسي التي تتراكم داخل المرء، الذي غالباً ما يكون من فئات اجتماعية فقيرة أو هشّة اقتصادياً". يضيف قجدار أنّ "تراكم المشاعر السلبية من شعور بالعجز من جرّاء الفقر، وكذلك الإحساس بعدم امتلاك أشياء كثيرة وعدم القدرة على تحقيق الأماني، بالإضافة إلى تصرّف طائش وغير محسوب العواقب من قبل سلطة تزيد من حدّة تلك المشاعر، كلّ ذلك يدفع المواطن إلى تصنيف نفسه مضطهداً ومحتقرا، وهو ما تدلّ عليه كلمة الحكرة، وصولا إلى الإقدام على إشعال النيران في جسده. فهو لم يعد يحتمل الأعباء ولا تبعاتها النفسية والاجتماعية".
ويؤكّد قجدار أنّ "كل الذين أقدموا على إضرام النار في أجسادهم احتجاجاً، يملكون في الغالب نفسيّة هشة ميالة إلى اضطهاد الذات والشعور بالدونية، من جرّاء ممارسات اجتماعية ونفسية متراكمة منذ الصغر أحياناً... فيكون الحلّ أمامهم سكب سائل مشتعل على أجسادهم، للانتحار أو لإثارة ملفّه بطريقة عنيفة، إذ لم يتمكّن من تحقيق ما يحتاجه وقد سدّت الأبواب في وجهه".
ويشير قجدار إلى أنّ "ظاهرة محمد البوعزيزي في تونس صارت بمثابة موضة احتجاجية انتقلت عدواها إلى عدد من البلدان العربية، ومنها المغرب. بالتالي، أضحى كلّ من تعرّض إلى ضغط أو رفض من قبل السلطة، خصوصاً في حالة البطالة أو مصادرة بضاعة الباعة المتجولين، مشروع بوعزيزي".