فلسطين: احتفالات بعيد "سيدة فلسطين" بمزار دير رافات (صور)

30 أكتوبر 2016
طقوس الاحتفال تضرب في جذور التاريخ (العربي الجديد)
+ الخط -
أحيا، اليوم الأحد، المئات من الفلسطينيين المسيحيين من كافة أنحاء المدن، عيد "سيدة فلسطين" في ساحة دير رافات، المزار الذي شيّد في العشرينيات من القرن الماضي إكراماً لمريم العذراء شفيعة الفلسطينيين وابنة الناصرة.

واشترك في الاحتفال كلّ من المطران جاشنتو بولس ماركوتسو، وكمال بطحيش، وأسقف مدينة زالتسبورغ النمساويّة سابقاً، وترأسه المدبّر الرسولي بيير باتيستا بيتسابيلا، النائب البطريركي الحالي الذي خلف البطريرك المتقاعد، فؤاد طوال.

وفي عظته خلال القدّاس، شدّد ماركوتسو على أهميّة الصلاة وتلاوتها يومياً رغم الحياة الصاخبة، وأضاف أنه بإمكان الجميع أن يصلوا في أي مكان لأن الله يستجيب للصلوات، وذكر أن الصلاة ضروريّة كالتنفس وهي مثل الأوكسجين للجسم، وليس شرطاً أن تكون طويلة.

أهميّة الصلاة وتلاوتها يومياً (العربي الجديد) 



أراد البطريرك "برلسنا" أن يبني هذا المزار في مكان به ذكريات كتابيّة ومسيحيّة قديمة جداً، وفي مكان متوسط جغرافياً. وهكذا بني مزار سلطانة فلسطين ليكون مكاناً للتلاقي. ففي هذا المكان تلتقي قداسة المكان والجماعة والكنيسة، الماضي والحاضر، الصلاة والعمل، حجّاج الأراضي المقدّسة وحجّاج من خارج البلاد، مسيحيّون وغير مسيحيين.

يمتد أمام المزار واد بتربة حمراء (العربي الجديد)


تتواجد أرض دير رافات في وسط الطريق بين يافا والقدس، وتبعد عنه حوالى 30 كيلومتراً، كان يطلق عليها في السابق فقط اسم رافات الذي يذكّرنا بالكميّة الهائلة من القبور المتواجدة في كل المنطقة. ويمتد، أمام المزار، وادٍ ذو تربة حمراء، تصلح لزراعة العنب المخصّص للنبيذ وأيضاً لزراعة الزيتون. كما تعتبر هذه المنطقة ذات تاريخ توراتيّ، إذ يدّعى أنه بالقرب منها ولد وعاش شمشوم الجبّار الذي حارب قوم "الفلسطينيين" الذين تواجدوا في بلدة بيت شيميش القريبة من رافات. وفي أواخر القرن التاسع عشر تم بناء الخط الأوّل للسكّة الحديديّة الأولى التي ربطت القدس مع المدن الساحليّة عبوراً في هذه المنطقة.



أما عن كيفيّة حصول الكنيسة اللاتينيّة على هذه الأراضي، فتشير المصادر الرسميّة أنه في عام 1847م، استطاع بابا الفاتيكان بيوس التاسع أن يعيد البطريرك اللاتيني إلى الكرسي البطريركي الأورشليميّ القديم، وذلك بفضل تغير الظروف التاريخيّة التي كانت تمنع، إلى ذلك الوقت، رجوع البطريرك إلى المدينة المقدّسة. فمن المحتمل أن الحاجة للحصول على أراضٍ زراعيّة ظهرت حتى تضمن الدعم الماديّ للكنيسة المقدسيّة التي نهضت من جديد.

بيع زيت الزيتون وغيره من المنتجات (العربي الجديد)


في الفترة الأولى بيعت الأراضي للأفندي فرنسيس بطاطو من القدس، وذلك بسبب التشريع العثمانيّ الذي لم يكن يسمح بنقل الملكيّة إلى مؤسّسة دينيّة مثل البطريركيّة، فأصبح هذا الأمر فيما بعد سبباً لمشاكل إرثيّة كثيرة. ولكن في فترة الانتداب البريطانيّ استطاعت البطريركيّة أن تسجّل بشكل قانوني أملاك دير رافات على اسمها، وتمّ حينها بناء المزار وبالقرب منه ملجأ لليتامى.


إحياء ذكرى مريم العذراء (العربي الجديد)


أما البطريرك "بلتريتي" الذي خلفه البطريرك ميشيل صبّاح عام 1988م فقد قام بمساعدة الفنّان الفلسطينيّ ابن القدس، المرحوم مبارك سعد، بزخرفة جدران الكنيسة بكتابة "السلام عليك يا مريم" بلغات 280 شعباً من حول العالم، وذلك بعد مطلب البطريرك المؤسّس "برلسينا" الذي راسل جميع أساقفة العالم وطالب منهم ترجمة السلام الملائكيّ، وفي عام 1973 تم ترميم هذه التحيّات لتعيد رونقها من جديد وتربط جميع الأمم بفلسطين أرض ميلاد مريم العذراء.

زخرفة جدران الكنيسة "السلام عليك يا مريم" (العربي الجديد)


راهبات "القدّيسة دوروتيا" فرنسيّات الأصل، هن من حصلن على الموافقة من البطريرك "برلسينا" عام 1927م ليقمن في الدير، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا، بقين للخدمة الرهبانيّة، بالإضافة للخدمة في الميتم الذي افتتح في نفس السنة والذي ضمّ في البداية طفلين من نابلس، ومن ثم وصل عددهم في نفس السنة إلى 45 طفلاً، أغلبهم يتامى من الأردن وفلسطين، وتمت رعايتهم مجاناً كجزء من الخدمة الرهبانيّة.


وبعد مضي ثلاث سنوات حصلت "المدرسة الزراعيّة والمهنيّة لسيدتنا العذراء سلطانة فلسطين" على اعترافٍ رسميّ من قبل وزارة التعليم العامّة، وجمعت البرامج الدراسيّة للصفوف الابتدائيّة العاديّة مع برنامج المدارس المهنيّة وسلسلة من الفروع الميكانيكيّة وصناعة الأحذية والطباعة.

العناية بإرث تاريخي عريق (العربي الجديد)



ولكن أثناء الحرب العالميّة الثانية تم إغلاق المدرسة وتحوّل الدير مخيماً للرهبان والكهنة الإيطاليين المبعدين من قبل الانتداب البريطاني، وذلك بسبب العداء بين إيطاليا وبريطانيا زمن الحرب. أما بعد النكبة عام 1948م وبالتحديد في 17 يوليو/ تموز، فقد تم احتلال الدير من قبل الجنود الإسرائيليين الذين دمّروا بالكامل القرية التي كان يسكنها الفلاحون مستأجرو المزارع، التي تبعت للكنيسة. وفقط في عام 1975م استطاعت المدرسة الجديدة أن تبدأ عملها من جديد، ولكن ليس كمدرسة ملجأ، بل كمدرسة داخليّة للبنات من العائلات المحتاجة، ولكن قبل عقد من الزمن، تم إغلاقها لأسباب عديدة وأهمها المأزق المالي وعدم الإمكانيّة في الاستمرار.

وفي حديث مع إحدى الراهبات الفرنسيّات اللواتي يقمن في الدير، قالت لـ"العربي الجديد" إنهن يعملن ويصلين على مدار اليوم، وفي ساعات الراحة هنالك دكّان صغيرة يقمن فيها ببيع منتجاتهن، مثل العسل والعطور وأعمال يدويّة مختلفة يعود ريعها للدير.

وفي هذه الأيام تدير مجموعة من العرب من قرية المغار الجليليّة دكّاناً لبيع النبيذ وزيت الزيتون ومنتجات أخرى، في قطعة أرض ملتصقة بالدير وذلك كجزء من التقسيمات التي ذكرت من قبل في شأن أراضي الدير التي تصل مساحتها إلى آلاف الدونمات المليئة بأشجار الزيتون وكروم العنب ذي الجودة العالية. ويتم ضمان الأرض من قبل هذه المجموعة بالإضافة إلى عائلة من الرملة التي تعتني بالأرض منذ عشرات السنين، لتبقى أراضي الدير ملكاً للكنيسة واقفة بوجه المصادرات، التي قامت وتقوم بها الدولة العبريّة منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.