ثروة اللبنانيين

22 سبتمبر 2015
في وسط بيروت، الأحد 20 سبتمبر/أيلول 2015 (العربي الجديد)
+ الخط -
اللبنانيون تربوا تربية رأسمالية. غنيّهم يستعبد فقيرهم. وفقيرهم يسعى طوال عمره للثراء، فيمارس الاستعباد على من كان في صفهم قبل سنوات.

العمل السياسي والوظيفة العامة أقرب الطرق إلى هذا الثراء في ظلّ الفساد الحاصل، وفي ظلّ إساءة متعمدة لتطبيق نظام الرعاية الاجتماعية. كلّ لبناني يسعى إلى الوصول، بنفسه أو بأبنائه، لتلك الوظيفة وذلك المنصب حتى لو كلفه الأمر إنفاق إرث أو مال جمعه هو آخر ما يملك. فعقليتهم الرأسمالية تجعلهم يدركون بقلوبهم وعقولهم أنّ ذلك المجال أكثر الاستثمارات نجاحاً.

الفساد هو القوة المحركة الرئيسية للاقتصاد اللبناني. وعدا عن حركة البيع والشراء والخدمات وبعض النشاطات الأخرى المنفلتة من أيّ رقابة بدورها، تصل الأموال غالباً عن طريقين رئيسيين، الأول مساعدات خارجية وهبات من دول وجهات للدولة وأحزابها وزعمائها ولأطراف السلطة فيها، كلّ بحسب مستواه ومتطلبات المرحلة. ويرافق هذا القسم نشاط كبير في غسيل الأموال عبر شركات صورية بمجالس إدارتها وموظفيها، تعود فوائدها النهائية لجهة سياسية أو أكثر بموافقة، أو بتواطؤ، من الأطراف الأخرى. أما الطريق الثاني فهو امتصاص أموال الشعب، بالرغم من قلتها لدى الأغلبية الساحقة منهم، عن طريق الضرائب المباشرة وغير المباشرة، عبر قوانين ثابتة أو مستحدثة أو معاد تفعيلها فقط لتضرب القدرة الشرائية لدى الفقراء، وتذلهم فوق إذلالهم.

وكلّ مال مجموع يوزَّع على فئة صغيرة جداً من اللبنانيين، تشير بعض الأرقام إلى أنّها لا تتعدى 3 في المائة منهم، هم أباطرة المصارف والخدمات المالية والعقارات والوكالات الحصرية. وإذا لم يكن للمسؤول السياسي الحصة الأكبر منها، ابتز أصحابها... برضاهم، فالعملية تبادل منفعة متفق عليه.

في الحراك الشعبي رفعت المجموعات الشبابية شعار "من أين لك هذا؟". والمقصود بالسؤال كلّ فاسد في هذه الدولة. السؤال نفسه يعرف جميع اللبنانيين جوابه سلفاً. فالمشكلة ليست في أشخاص يديرون هذه البلاد بل في بنية فاسدة تحوّل أكبر "آدمي" إلى أكبر "أزعر". هي ماكينة صدئة لكنها لا تتوقف عن العمل. واللبناني الذي وافق أساساً على الدخول في منظومة العمل السياسي ووظيفة الدولة بدافع من سعيه للثراء، لن يقف في وجه هذا الفساد بل سيتماشى معه غالباً.

البنية فاسدة وتغيير الأشخاص لا ينفع. وأيّ إصلاح يُربط بالـ3 في المائة ومنظومتهم الاقتصادية المجرّبة محكوم بالفشل. هدم البنية بأكملها هو المطلوب. لكنّ مثل هذه الخطوة لا بدّ من أن يسبقها تغيير ثقافي في أولويات اللبنانيين وطلبهم الثروة عن طريق منظومة الفساد تلك.

إقرأ أيضاً: أغنى أغنياء لبنان
المساهمون