القمامة قوت "البرباشة" ومصدر رزقهم في تونس

28 مايو 2015
يجمع البلاستيك القابل للرسكلة (العربي الجديد)
+ الخط -

يبدأون عملهم صباحاً في الأزقة الضيقة، يجوبون الشوارع بحثاً عن نفايات لا يمكن أن تطالها البلديات وأعوان النظافة. عربة وكيس بلاستيكي.. هذا كلّ ما يملكونه من أدوات للعمل. "البرباشة" أو "جامعو القمامة"، كما يسمونهم باللهجة التونسية، هم الأشخاص الذين يقومون بالبحث في القمامة وفي الشوارع وفي المصبات العشوائية عمّا يمكن فرزه وإعادة تدويره، بحيث يكون مصدر رزقهم.

ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمهمّشة في تونس، مهمتهم الأساسية جمع القوارير البلاستيكية والأكياس وبقايا الألمنيوم وعلب الجعة والزجاجات ومختلف المواد القابلة للرسكلة، ليحصلوا في نهاية يومهم على بضعة دولارات تمنحهم إياها شركات مختصة في الرسكلة.

ويختلف مدخول كلّ شخص حسب الكمية التي يجمعها من القمامة، فكلّما جمعوا أكثر زادت مداخيلهم أكثر، لكنّها إجمالا لا تتجاوز الـ10 دولارات في اليوم، وهو مدخول رهين الحظ والظروف المناخية وحجم النفايات التي تعترض سبيلهم.


أحد "البرباشة"، ويُدعى صالح اليعقوبي، كهل في عقده الخامس، يتّقد حيوية ونشاطاً وحماسة رغم مشاق المهنة، ويفضّل جمع النفايات التي لا تتحلل في الطبيعة كالأكياس البلاستيكية، على أن يجلس في مقهى ويحتسي فنجان قهوة أو فنجان شاي. ويؤكد اليعقوبي لـ"العربي الجديد" أنه يفخر بمهنته كثيراً؛ لأنه يساهم ولو مساهمة بسيطة في المحافظة على البيئة وحماية المحيط.

بحكم خبرته وعمله الطويل في جمع البلاستيك، يعرف العم صالح جيداً الأزقة والأماكن التي يتواجد فيها البلاستيك بمختلف أنواعه وأصنافه، وقد يقضي الساعات وهو يجوب الشوارع سيراً على الأقدام، فالقمامة مصدر رزقه الوحيد.

ويقول اليعقوبي: "منذ نعومة أظفاري وأنا أشتغل في مجال تنظيف المنازل، وكنت أستعمل المواد الكيميائية في التنظيف التي تسببت لي في عدة أضرار، فقررت تغيير العمل، مع الحرص على البقاء في مجال النظافة، أغرمت بجمع البلاستيك بعيداً عن استنشاق المواد الكيميائية الضارة، فمن جهة أساهم في النظافة، ومن جهة أخرى أوفر قوت أسرتي".

ويجمع العم صالح مختلف المواد التي تضرّ الطبيعة من أكياس بلاستيكية وحديد وألمنيوم وحشايا. فمختلف هذه المواد تشكل خطراً على البيئة وآثارها، قد تمتد لمئات السنين، ولذا تتمثل مهمته في جمع كل ما تقع عليه عيناه.


ورغم ارتفاع أعداد "البرباشة" في تونس، حيث تشير إحصائيات رسمية إلى أن عددهم يناهز 8000 شخص، وأنهم يساهمون بنسبة 60 في المائة من أنشطة رسكلة النفايات في تونس، إلا أن ظروف عملهم تبقى صعبة ودون أدنى حماية.

وتنقسم أعمال "البرباشة" كلّ حسب طبيعة المواد القابلة للرسكلة التي يجمعها، فهناك من يجمع الورق المقوى، وآخرون يجمعون البلاستيك، والبعض الآخر يجمع الألمنيوم. لكن يعاني أغلبهم من غياب التغطية الصحية والتأمين، وهم معرضون للعديد من المخاطر، جرّاء افتقارهم إلى بذلات وقفازات تحميهم، وحقن تقيهم خطر انتقال الفيروسات والأمراض التي يتعرضون لمخاطرها من المزابل والقمامات.

وأكد صالح اليعقوبي، الذي انخرط في جمعية البيئة للنظافة والرسكلة بالمرسى، أو جمعية "البرباشة"، أن مثل هذه الجمعيات ستنهض بأوضاعهم وتنظم عملهم. ويقول إنه يشغل حالياً كاتباً عاماً في الجمعية، وأن الهدف هو تأطير عمل "البرباشة"، وتوفير مستلزمات العيش الكريم له ولزملائه العاملين في هذا المجال.

هذه الجمعية تعتبر واحدة من بين جمعيات أخرى تكونت حديثاً، وأغلب منخرطيها من أهل المهنة، وهدفها هيكلة مهنة "البرباشة" والنظر في المشاغل والصعوبات التي يعاني منها هؤلاء. وتضم الجمعية حالياً نحو 50 شخصاً، ولكن يرّجح اليعقوبي أن يتضاعف العدد، لأن الجمعية لا تزال حديثة النشأة.


وذكر أنهم حريصون في الجمعية على تكوين "البرباشة"، وتقديم النصائح لهم عن كيفية جمع النفايات بطريقة آمنة ودون مخاطر. وقال إن خبراء يزورونهم من وزارة البيئة للقيام بحلقات تكوينية في الغرض.

ويعترف العم صالح بأنّ عمل "البرباش" ليس سهلاً، فبعضهم يعمل دون وسيلة نقل، وآخرون على دراجات هوائية قد تسقطها الرياح القوية، وبعضهم رغم ظروفهم الصحية المتردية وسنهم المتقدم نسبياً، يصارعون الزمن، للعمل والحصول على أجرة، حتى لو كانت زهيدة.

وأشار اليعقوبي إلى أنه عندما يمرض لا تجد عائلته قوتها ومصروف يومها، مبيناً أن أغلبهم محروم من التغطية الصحية والتقاعد، ولذلك تسعى الجمعية إلى توفير بعض الضمانات لهم. وذكر أن الهدف هو تحسين ظروف عملهم، وتوفير وسائل النقل لتسهيل مهامهم، سواء كانت شاحنات صغيرة أو دراجات نارية.

وأفاد بأن الحملات التوعوية التي قامت بها الجمعية طالت ربات البيوت، لحثهن على الفرز الانتقائي للأطعمة والقوارير وأكياس البلاستيك، ما يسهّل عمل "البرباش". كما وزعوا مطويات تبين مواعيد مرورهم في الأحياء والمنازل، لضمان مزيد من النظام والنجاعة لعملهم.

المساهمون