الفلوجة.. "كوباني" العراق

25 مايو 2015
60 % من جرحى القصف أصيبوا بعاهات مستديمة (Getty)
+ الخط -

بعد مرور نحو عام ونصف على خروج الفلوجة، عن سيطرة الحكومة العراقية، عقب ثورة مسلحة ضد سياسات حكومة نوري المالكي الطائفية، وصولاً لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المدينة، تعيش المدينة معاناة مسكوتاً عنها تحت قصف براميل الجيش العراقي لأحيائها السكنية، رغم خلوها من العناصر المسلحة التي تتمركز على أطراف المدينة.

وقاد أهالي مدينة الفلوجة (55 كم غرب بغداد) وعشائرها ثورة مسلحة ضد حكومة نوري المالكي، انطلقت نهاية عام 2013، بسبب سياسته الطائفية في البلاد، وبعد خروج الجيش العراقي من المدينة اجتاحها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأزاح مقاتلي العشائر وسيطر عليها بشكل كامل. أصبح الأهالي في تلك المدينة، لا يجدون مكاناً آخر يتسع لهم غير العيش تحت رحمة التنظيم.

وما زالت العاصمة بغداد ومدن الجنوب العراقي التي يسيطر على حكومتها حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي، ترفض دخول مواطني الفلوجة، هذا إن نجحوا أصلاً في الخروج من مدينتهم، حيث تحاصر مخارجها الرئيسة المليشيات، وتقوم باختطاف الرجال ليعثر على جثثهم بعد ساعات أو أيام في ساحات عامة، بعد أن يتم اغتيالهم، لذا يفضل الأهالي البقاء في المدينة والحفاظ على حياتهم.
 
إلا أن الحظ عادة ما يخذل السكان، فيقتل منهم في اليوم الواحد ما بين 12 إلى 20 مواطناً كمعدل يومي، بفعل الصواريخ والبراميل والغارات الجوية التي تشن على المدينة على مدار الساعة.

ضحايا الفلوجة
وتفيد تقارير طبية صدرت عن مستشفى الفلوجة العام، أن حصيلة الضحايا المدنيين نتيجة القصف اليومي المتنوع منذ مطلع العام الماضي، بلغت 2800، بينهم 358 طفلاً دون سن العاشرة و208 نساء فيما أصيب 4609 مدنيين آخرين، من بينهم 441 امرأة و524 طفلاً.

وبحسب التقرير، والذي اطلع "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن غالبية الضحايا قضوا بقصف البراميل والصواريخ العشوائية، والتي تسقط على أحياء المدينة مخلفة دماراً هائلاً.

كذلك لفت إلى أنّ 60 في المائة من الجرحى المسجلين، أصيبوا بعاهات دائمة كقطع أطراف أو عمى أو شلل أو حروق لا يحتمل علاجها.

وقد أسفر القصف على المدينة أيضاً، عن دمار لحق بعدد كبير من المنازل منذ عام ونصف، نتيجة القصف، فضلاً عن تدمير بالمساجد وبالمدارس والمحال والمجمعات التجارية، وانهيار تام بالبنى التحتية في المدينة.

ويتهم وجهاء وأهالي الفلوجة الحكومة العراقية باستخدام سياسة الأرض المحروقة ضد المدينة، وممارسة إبادة جماعية بحق أهلها، مطالبين المجتمع الدولي بمحاكمة نوري المالكي الذي بدأ هذه الحرب، وبإحالته إلى المحكمة الدولية.

وقال الشيخ هاشم الهاشمي، أحد شيوخ عشائر الفلوجة لـ "العربي الجديد"، إن وضع مدينة ممتلئة بالسكان على مدار عام ونصف، تحت نار البراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية، ما هو إلا عملية إبادة جماعية منظمة، تقودها الحكومة العراقية على يد الجيش والمليشيات بدوافع طائفية.

ويصف الهاشمي الدمار الذي لحق بالمدينة بـ "الكارثي"، موضحاً أن "المئات من منازل المواطنين دمرت بالكامل، بسبب البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات الجيش العراقي على الأحياء السكنية، وراجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، وكذلك مئات المحلات والمجمعات التجارية".

"ولم تسلم حتى الدوائر الحكومية من قصف الجيش العراقي والمليشيات المساندة له، فقد لحق دمار كبير بمحطات الماء والكهرباء والمدارس والمؤسسات، فالجيش قصف كل شيء بما في ذلك مستشفى الفلوجة التعليمي، والذي يعتبر المستشفى الوحيد الذي يستقبل الجرحى والمرضى من أهالي المدينة".

اقرأ أيضاً: خالد عمر... عراقيّ يروي آلام النزوح

محاولات التوثيق
ووثق ناشطون من الفلوجة بشكل تقريبي حجم الدمار الذي لحق بالأحياء السكنية والبنى التحتية في المدينة، عبر جرد ميداني تقريبي للأضرار المادية، لكنها أرقام تقريبية أقل بكثير من الأضرار الحقيقية، والتي يحول دون الوقوف عليها استمرار عمليات القصف، بحسب الناشطين.

وقال الناشط مثنى عبد الواحد إنَّ "حجم الدمار الذي لحق بالفلوجة نتيجة القصف العنيف من قبل قوات الجيش العراقي، يقدر بأكثر من 350 منزلاً دمر كلياً، غالبيتها جنوب وشرق المدينة، وأكثر من 775 منزلاً دمر جزئياً وعشرات المنازل احترقت نتيجة القصف".

وقد بلغ عدد المساجد المستهدفة بالطائرات والصواريخ 22 مسجداً، لحقت بها أضرار بالغة، وعدد المدارس المدمرة كلياً أو جزئياً تجاوز 35 مدرسة و10 دوائر حكومية، من بينها  محطات الماء والكهرباء ودوائر البلدية وغيرها.

وتجاوز عدد المحلات التجارية المدمرة والمتضررة المئات، لم نستطع توثيق سوى نحو 309 محال ومجمعات تجارية منها، فالعدد متزايد، وهذه الأرقام تقديرية، بمعنى أن الواقع أكثر بأضعاف، وتزداد كل يوم بسبب استمرار القصف على المدينة.

اقرأ أيضاً: آلاف المحاصرين يبحثون عن مهرب من الفلوجة

قبور جماعية


ونتيجة لتزايد أعداد الضحايا بين المدنيين، وامتلاء مقابر المدينة، اضطر الأهالي إلى دفن جثث ذويهم في قبور جماعية.

كما يروي أحد أبناء الفلوجة، الدفان عادي صالح، لـ "العربي الجديد" مبيناً أنَّ "مقابر الفلوجة لم تعد تتسع لجثث الشهداء، والذين تتزايد أعدادهم كل يوم بسبب القصف العشوائي، واضطررنا أن ندفن كل شهيدين أو ثلاثة في قبر واحد، خاصةً إذا كانوا من عائلة واحدة، كما حصل مع عشرات الأطفال والنساء والعوائل، والتي استشهدت بالكامل بسبب البراميل المتفجرة التي يلقيها الجيش العراقي على منازلهم، فقمنا بدفنهم معاً بسبب امتلاء مقابر المدينة بالشهداء وغالبيتهم نساء وأطفال".

ولعل السؤال الأبرز داخل المدينة، لماذا يتم استهداف الأحياء السكنية، في حين أنّ المسلحين من تنظيم "داعش" يتواجدون على أطراف المدينة بوفرة، ولا تقصف تلك المناطق.

وتقول هناء أحمد من أهالي الفلوجة لـ "العربي الجديد" "الأحياء السكنية تقصف، بينما مواقع المسلحين على أطراف المدينة آمنة، هم يعلمون أن الأهالي ولا أحد غيرهم في تلك الأزقة والشوارع، وأنّ المسلحين ينتشرون على أسوار الفلوجة، فلم القصف؟ وهذا سؤال لا نجد الإجابة عنه حتى الآن.



اقرأ أيضاً أبارتهايد عراقي: بغداد محظورة على الأنباريّين