نساء للزينة.. هذا ما يُحكى عن نائبات السودان

22 مايو 2015
خلال مشاركتها في التصويت (باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -

ينظرُ البعض إلى مشاركة المرأة السودانية في البرلمان على أنها مجرّد "زينة"، وتقتصر مهمتها على التصفيق وترجيح صوت الغالبية لقرارات الحزب الحاكم، علماً أن نسبة مشاركة المرأة في البرلمان زادت ووصلت إلى 30 في المائة، وحصدت في الانتخابات التي شهدتها البلاد أخيراً 128 مقعداً (ضمن القائمة النسبية)، بالمقارنة مع 112 مقعدا في البرلمان السابق، الذي تقلص عدد النساء فيه إلى 85 بعد انفصال الجنوب وخروج الجنوبيات منه.
ويرى مراقبون أن الأحزاب السياسية، باستثناء قلة، تخشى المغامرة وترشيح النساء، بما فيها الحزب الحاكم، خوفاً من سقوطها في الانتخابات، وإحجام المجتمع الذي يتسم بالمحافظة عن التصويت لصالحها، في ظل النظرة الدونية للمرأة، ما يدفع الأحزاب إلى تحاشي الأمر كونه رهانا خاسرا، وخصوصاً أن الحملات تتطلب إنفاق كثير من المال.

بدأت الحركة النسوية عملها في السودان منذ عام 1947، من خلال إنشاء رابطة الفتيات المثقفات. تزامن ذلك مع ازدهار الحركة الوطنية من أجل التحرير واستقلال البلاد، ليعقب ذلك تأسيس الاتحاد النسائي عام 1952، ما عدّ نقطة تحوّل في مسيرة النساء، اللواتي ناضلن لتحقيق مكاسب سياسية ومدنية.
لم تكن المرأة السودانية قبل عام 1964 تتمتع بأي حقوق سياسية حقيقية، باستثناء مشاركة خريجات المرحلة الثانوية والجامعية في انتخابات عام 1953. في ذلك الوقت، استبعدت النساء من المشاركة في الانتخابات، وسُلب منهن حق الانتخاب حتى ثورة أكتوبر/تشرين الأول عام 1964. بعدها، بدأت النساء باكتساب حقوقهن السياسية تدريجياً، ونجحت فاطمة أحمد إبراهيم في دخول البرلمان للمرة الأولى، من خلال الخريجين وليس الانتخاب المباشر.
وشهدت الفترة الماضية اختراقاً كبيراً للمرأة في مجال السياسة، وتقلّدت مناصب عدة، فكانت مديرة ووزيرة ورئيسة للجان البرلمانية.

يرى النائب البرلماني السابق عبدالله موسى أن "مشاركة المرأة في البرلمان تعدّ مكسباً جيداً لها، علماً أن مقياس الربح الحقيقي يكمن في ترشيح المرأة في دائرة جغرافية أسوة بالرجل". يضيف أن مشاركتها في الوقت الحالي "لا تخرج عن إطار الزينة، ولا تتلاءم وتاريخ السودانية النضالي في الحياة السياسية والعامة، أسوة بنظيرتها في العالم العربي. فقبل نحو نصف قرن، عرفت البلاد أول طبيبة ووزيرة وقاضية جنائية". يضيف: "بحسب تجربتي في البرلمان، لم ألاحظ أي مشاركة أو صوت حقيقي للمرأة، باستثناء قلة. أما البقية، فلسن أكثر من مشرفات حشدن للتصفيق وتمرير رؤى الحزب الحاكم، لا سيما أن نساءه يمثلن الغالبية".
من جهتها، تُدافع رئيسة لجنة التشريع والعدل في البرلمان، تهاني تور الدبة، عن مشاركة المرأة، لافتة إلى أن النساء "لسن للزينة فقط". تقول لـ"العربي الجديد" إن "صوت المرأة في البرلمان يظهر واضحاً خلال اجتماعات اللجان البرلمانية، ويشاركن بنسبة 70 في المائة مقارنة بالرجال". تضيف: "داخل القبة، يكون توزيع الفرص مرتبطاً بنسبة وجودها في البرلمان (25 في المائة). فمن بين 15 نائبا يمنحون حق الحديث على سبيل المثال، يحق لثلاث نساء الحديث. وترى أنه "في حال أتيحت الفرص، بغض النظر عن النسب، سيكون صوت النائبات أعلى".

اقرأ أيضاً: إحسان فقيري

تشير الدبة إلى أنهن "يحرصن بشكل كبير على مناصرة قضايا المرأة عبر التشريعات والسياسات المختلفة، فضلاً عن القضايا العامة الأخرى"، لافتة إلى أن الدور الفاعل الذي لعبته هيئة نساء البرلمان في ما يتعلق بتعديل القانون الجنائي وإدخال مادة جديدة تتعلق بالتحرّش، بالإضافة إلى فصل قضيتي الزنا والاغتصاب عن بعضهما، إذا كانتا مادة واحدة في القانون.
وتشدد على قدرة البرلمانيات على إحداث تغيير حقيقي من داخل القبة، موضحة أن "أكثر ما يقلق المرأة، وخصوصاً المنتسبة لحزب المؤتمر الوطني، هو تفضيله عدم ترشيحها ضمن الدوائر الجغرافية". توضح أنه "خلال الانتخابات الأخيرة في الحزب الحاكم، لم ترشح أي امرأة في الانتخابات الماضية في دائرة جغرافية، وحرمنا من الإحساس بطعم الفوز وسعادة الانتخاب المباشر".

وترى الناشطة في مجال حقوق المرأة إحسان فقيري أن فعالية المرأة في البرلمان ترتبط بمدى احساسها بالقضية، باعتبار أنها أثبتت نفسها في مجالات عدة خارج قبة المجلس. تقول إن "المشكلة الأساسية التي تؤثر على قدرة المرأة على إحداث تغيير من داخل قبة البرلمان تتمثل في نظام الكوتا، لأنه يؤدي إلى وصول نساء غير فاعلات وغير ملمّات بقضاياهن لملء المقاعد الفارغة". ويفرض نظام الكوتا على الحزب ترشيح 25 في المائة من أعضائه من النساء، من دون الاكتراث للمهارات. لذلك، يقع الاختيار على النساء الأكثر ولاء للحزب، وهذا ما حصل فعلاً مع نساء المؤتمر الوطني اللواتي لا يمثّلن الغالبية، ولم يتفاعلن إطلاقاً مع قضايا جلد النساء، ولم يطرحن قضايا معيشية داخل القبة".
تضيف أن "الأحزاب المعارضة تقع في الخطأ عينه، وقد بدا ذلك جلياً في انتخابات عام 2010، واختاروا النساء من دون الاكتراث لكفاءاتهن، وكان همهم فقط تأمين النسبة التي حدّدها القانون".
وتؤكد أن "المرأة قادرة على التغيير من داخل البرلمان"، مشيرة إلى نجاح أول برلمانية، وهي فاطمة محمد إبراهيم، بتحقيق إنجازات ومكاسب للمرأة وإقناع البرلمان بالمشاركة السياسية للمرأة بسبب وعيها بقضيتها. تتابع: "اليوم هناك أصوات خافتة لسن على اطلاع بقضايا النساء، وهذا عيب الكوتا".

وتقولُ المرشّحة الرئاسية التي خسرت في الانتخابات الأخيرة، فاطمة عبدالمحمود، لـ"العربي الجديد"، إن "مشاركة المرأة في البرلمان منذ عام 1973 وحتى عام 2005 كانت إيجابية، بحسب تجربتي. ولم تكن النساء مجرّد زينة. على العكس، أُتيحَ لها أن تكون فاعلة"، لافتة إلى أن المشكلة قد تكون مرتبطة أحياناً بالمرأة نفسها.
تضيف: "سبق وترشحت في ثمانينيات القرن الماضي في دوائر جغرافية وفزت؛ لأن العملية برمتها تعتمد على الرصيد الاجتماعي". تتابع أن "أي حديث عن رفض المجتمع للمرأة في البرلمان غير صحيح، لأنه سبق وتقبل فكرة أن تكون المرأة حاكمة إقليم ومرشحة للرئاسة ووزيرة".

اقرأ أيضاً: المرأة من "مسيرة الجوع" إلى نساء في القمة
المساهمون