مزار الحسن أبو جلابية قبلة أتباع الطريقة الختمية

27 ابريل 2015
يحجّون إلى المزار ويرفعون دعواتهم (العربي الجديد)
+ الخط -

في ولاية كسلا في شرق السودان، يقع ضريح السيّد محمد الحسن أبو جلابية الذي يقصده آلاف من أتباع الطريقة الختمية للحجّ والتبرّك.
والسيّد محمد الحسن أبو جلابية، هو ابن محمد عثمان الميرغني مؤسس الطريقة الختمية، الذي تعود أصوله إلى الحجاز. فهو ولد وتعلم في مكة. أما الطريقة الختمية، فهي واحدة من أبرز الطرق الصوفية في مصر والسودان. وهي تنتشر في شرق القارة الأفريقية وغربها ووسطها وشمالها، ويتوزّع أتباعها في إريتريا والنيجر والمغرب والجزائر.

يُروى أن الوالد رأى في حلمه أنه تزوّج من امرأة سودانية في منطقة بربروان، وأنها أنجبت له ولداً صالحاً يدعى الحسن. فتوجّه بالفعل إلى السودان، وقضى مع المرأة التي اتخذها زوجة له ليلة واحدة، قبل أن يعود إلى مكة. وقد أوصاها أن تبعث له بابنهما عندما يبلغ الخامسة عشرة من عمره، في حين ترك له جلابية (ثوباً)، قيل إنها راحت تزداد طولاً كلما نما الطفل وكبر. وذهب إلى والده، عندما حان الوقت. هناك شقّ حائطاً بقبضة يده، فتأكد الوالد من أنه ابنه وحمّله رسالة نشر الطريقة الختمية في السودان. عاد إلى مسقط رأسه ليستقر ويدفن في كسلا، وسط سلسلة من الجبال عرفت بجبال التاكا.

أما رواية أخرى - تلقّن عادة لأبناء الختمية - فتشير إلى أن والده أوكِل بنشر الدين الإسلامي. فعبر النيل من مصر إلى السودان، حيث سمع بأن ثمة امرأة صالحة ستنجب ابناً صالحاً من أحد العثمانيين. فأسرع وفاز بها وأنجب منها الحسن. ويُقال إنه درج على أن يتزوج في كل دولة يبلغها، بواحدة من بنات المنطقة وينجب منها ليضمن له خليفة هناك من أبنائه. هكذا ينشر بواسطتهم الدين الإسلامي والطريقة الختمية.
هنا، عند الضريح الذي شيّد على شكل قبة بعدما توفي السيّد الحسن أبو جلابية في عام 1880، يمكن للزائر أن يشاهد مئات الأتباع الذين يجولون في المكان، وقد خلعوا أحذيتهم على الرغم من سخونة أرض المنطقة شبة الصحراوية. هم يفعلون ذلك، إيماناً منهم بأن المكان الذي دفن فيه مقدّس.

حول الضريح بني سياج خشبي، عادة ما يمسك الزائرون بقضبانه وينظرون من خلال فتحاته إلى القبر وهم يتمتمون أدعيتهم، في حين تنهمر دموع بعضهم تأثراً. تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الأتباع من جميع الأعمار والفئات. لذا يصحّ القول إن ضريح السيّد الحسن أبو جلابية هو قبلة أتباع الطريقة الختمية، وطالبي الرزق والبركة والزواج والإنجاب وما إليها.
إلى جانب الضريح، مسجد مهدّم قديم الطراز لا يعرف بالتحديد تاريخ بنائه. فثمة من يقول إنه شيّد في القرن السابع عشر ورأي آخر يشير إلى الثامن عشر. وينتظر أتباع الختمية في السودان تحقّق نبوءة تقول بترميم المسجد الذي بقي من دون سقف، على يد أحدهم ويُدعى عثمان.

لا تخفي ميادة أنها سبق وقصدت كسلا، وأنها تعود من جديد بعدما طلبت منها جدتها زيارة الضريح لتنال منه البركة وتأتيها بحفنة من ترابه. وزائرو الضريح من نسوة ورجال، عادة ما يعمدون إلى النذور. فيربطون قطع قماش صغيرة في المكان وهم يتلون مطالبهم. وبعد تحققها، يعودون حاملين أمولاً وذهباً يودعونها في صندوق وضع على مقربة من الضريح. ويقال إن قيمة الذهب والأموال تصل إلى ملايين الجنيهات في أحيان كثيرة، ويستفيد منها الفقراء الذين يعيشون في باحة الضريح.
إلى ذلك، تُعقد من حين إلى آخر "حوليات" في المكان، وهي حلقات ذكر يحضرها آلاف الأتباع الذين يتوافدون من أماكن بعيدة، وتقام لهم الولائم وتقدّ الذبائح.
على أرض المزار، يجد الزائر نسوة وأطفالاً موزّعين أمام مجموعة من الأضرحة، قيل إنها لأبناء الحسن أبو جلابية وأحفاده. ويطلق على هؤلاء النسوة اللواتي يحرسن الأضرحة اسم "بنات الحوش"، وبعضهن يبعن المكسرات المحلية.

عند إحدى البوابات المغلقة، جلست خديجة محمد علي المعروفة هي وشقيقاتها بـ "بنات نيرما". مهمتها حراسة أحد الأضرحة والدعوة لزائريه. وفي المقابل، يقدّم لها الزائر المال. تقول خديجة إنها تتخذ مكاناً لها أمام قبر ابنة السيد الحسن فاطمة لقراءة الورد (ذكر) واستقبال زائريها، يومياً. وتوضح أن في "أيام الزيارة يعجّ المزار بالأتباع وتنحر الذبائح وتعدّ القهوة والشاي والزلابية، ويتلى الورد".
وتلفت خديجة إلى أن أصولها تعود إلى النيجر التي هجرتها عائلتها قبل عقود، لتستقر في السودان. تقول: "عندما أقام أجدادي هنا، لم تكن هذه الأرض مأهولة بشكل كبير. وأنا ورثت حراسة القبور". تضيف: "تربينا وتعلمنا في هذا المكان وهذا عملنا. والأولياء (أحفاد الحسن أبو جلابية) أعطونا أرضاً نسكنها ونعيش فيها من دون أي مقابل مادي".
دلالات