ولد القاضي: "ذاكرة وعدالة" لكشف مصير موريتانيي البوليساريو

22 ابريل 2015
كانت أيام المعتقل كلُّها تعذيبٌ وإهانة (العربي الجديد)
+ الخط -

- ما هي أهداف جمعية "ذاكرة وعدالة"؟
"ذاكرة وعدالة" جمعية حقوقية مرخصة تعنى بشؤون الموريتانيين المدنيين من ضحايا سجون جبهة البوليساريو. وأهدافها الأساسية المطالبة بتشكيل محكمة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في حق الضحايا، وتقديم الجلادين إلى المحاكمة، والكشف عن مصير المفقودين، وتسليم رفات القتلى إلى ذويهم، وتعويض الضحايا عما لحق بهم من أضرار. بالإضافة إلى تقديم اعتذار رسمي لهم.

- من هم الضحايا الذين تدافع عنهم جمعية "ذاكرة وعدالة"؟
في الجمعية نصنف الضحايا الذين ندافع عنهم ضمن ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى هي التي سلمتها أجهزة الاستخبارات الجزائرية لجبهة البوليساريو عام 1977 بعد أن أوهمت أفرادها بأنها ستدعمهم لتكوين حركة مسلحة سميت يومها بالجبهة الوطنية لتحرير شنقيط، كانت تهدف إلى إطاحة نظام الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه. وبعد إطاحة هذا الأخير من طرف الجيش الموريتاني، ورفض أفراد هذه المجموعة القتال في صفوف البوليساريو تم الزج بهم في المعتقلات، فيما قتل بعضهم رميا بالرصاص.

والمجموعة الثانية مؤلفة من أفواج من الشباب التحقوا بجبهة البوليساريو في أواخر السبعينيات للعمل التطوعي في المخيمات. وبعد سنوات من العمل الجاد في جميع المجالات تم رمي الجميع في معتقلات جهنمية على خلفية عوامل سياسية داخلية لقيادة البوليساريو. وقضى معظم هؤلاء أكثر من سبع سنوات في تلك المعتقلات يعانون شتى صنوف التعذيب والتنكيل. ومات منهم العشرات تحت سياط الجلادين.

أما المجموعة الثالثة فمؤلفة من بدو تم اختطافهم من الأرياف والمدن الموريتانية، بعد سلب ممتلكاتهم وإجبار أبنائهم على التجنيد الإجباري في صفوف البوليساريو.

- أنتم تؤكدون أنّ الهدف من تأسيس الجمعية هو الجانب الإنساني البحت، لكنّ جهات داخل البوليساريو تتهمكم بالمزايدات السياسية واستغلال الاتهامات التي يوجهها البعض ضد جبهة البوليساريو؟
تلك اتهامات ألفناها من جبهة البوليساريو، ويراد منها التشويش على مطالبنا الحقوقية. بل أكثر من هذا اتهمتنا الجبهة بأنّنا من صنيعة جهات مغربية. غير أنّ كلّ ذلك لا يغيّر من الأمر شيئاً، فقد سبق أن اتهمتنا بالعمالة لموريتانيا وفرنسا بهدف تبرير الجريمة التي ارتكبتها في حقنا، وتبيّن لاحقاً زيف الاتهامات.

- ماذا حققت الجمعية حتى اليوم؟ وهل هناك استجابة لمطالبكم من قبل جبهة البوليساريو؟
بالرغم من قصر المدة التي مرت على تأسيس جمعية "ذاكرة وعدالة" (تأسست في أغسطس/ آب 2009)، فقد حققنا الكثير خصوصاً في مجال التوثيق. كما تمكنّا من تعبئة الرأي العام وتشكيل موقف بخصوص قضيتنا على مستوى الساحة المحلية، وحتى داخل مخيمات جبهة البوليساريو. كذلك استطعنا أن نصل بقضيتنا إلى بعض الهيئات الإقليمية والدولية التي باتت تدعم القضية. أما عن مدى استجابة جبهة البوليساريو، فيكفي أن أقول إنّنا التقينا بزعيمها (محمد عبد العزيز) مباشرة، وقد قطع على نفسه الكثير من التعهدات التي عاد ونكث بها.

- لماذا تتجاهل السلطات الموريتانية معاناتكم؟ وماذا عن المجتمع المدني؟ هل هناك اهتمام بالقضية التي تدافعون عنها؟
نحن نتفهم أنّ السلطات الموريتانية لم تستطع حتى الآن التخلص من عقدة الفصل بين ما هو حقوقي وما هو سياسي. ونحن في هذا المجال لا نعوّل على السلطات كثيراً، إنما ينصبّ كل تركيزنا على المجتمع المدني، والناشطين في مجال الإعلام وحقوق الإنسان. كما أنّنا مرتاحون للمكانة التي تحظى بها منظمتنا في الوسط الإعلامي والحقوقي.

- أنت شخصياً أحد الضحايا الذين ساقتهم الظروف إلى أن يكونوا من رهائن البوليساريو، ويمارس في حقهم مختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي، كيف جاءتك فكرة الالتحاق بالبوليساريو؟ وكيف تم إطلاق سراحك؟
أعتقد أن فكرة الالتحاق تلك جاءت نتيجة تظافر مجموعة من العوامل ، منها العفوية وحماسة الشباب. وكذلك العامل العاطفي المتمثل في الإحساس بالروابط والقواسم المشتركة بين الصحراوي والموريتاني. يضاف إلى ذلك أنّ تلك المرحلة كان يسود فيها على المستوى الوطني وخصوصاً في الوسط الطلابي، ما يمكن أن نسميه موضة الثورة، التي كانت إحدى سمات المد اليساري الذي اجتاح العالم في تلك العقود. لكني أعتقد أنّ العامل العاطفي كان الأكثر حضوراً بالرغم من الوعي النسبي في أوساط الشباب في تلك الأيام. ويدلّ على ذلك أنّ موجات التحاق الشباب بالمخيمات لم تكن بتشجيع من التيارات والحركات السياسية التي كانت قائمة يومها في المشهد السياسي الموريتاني. أما عن إطلاق السراح فقد جاء بعد الانتفاضة التي عرفتها المخيمات عام 1988.

- كيف كانت يومياتكم داخل المعتقل؟
باختصار شديد، كانت أيام المعتقل كلُّها تعذيبٌ وإهانة.

- وماذا عن معاناة المعتقلين السابقين في سجون البوليساريو؟ كيف كانت معاناتهم ومقاومتهم لأشكال البطش والتعذيب؟
بعض الضحايا، وبالرغم من مرور السنوات لم يتجاوزوا بعد مرحلة الصدمة، لهول ما ارتكب في حقهم من اختطاف وتعذيب وتنكيل وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. لقد تم تلفيق التهم لنا، وزج بنا في السجن. وانتهى الأمر برمينا كالكلاب من دون أدنى كلمة اعتذار. وكانت الخاتمة باتهامنا بالعمالة، ولأطراف جديدة. ما تعرضنا له من فظاعة يصعب تجاوزه.

- من هو المعتقل الذي أمضى أطول فترة اعتقال من بينكم؟
أمضى الكثير من المعتقلين فترات طويلة في السجن. لكنني أعتقد أن أفظع فترة هي الفترة التي أمضاها المعتقل أحمد عبدي آشليشل، وهو الأمين العام لجمعية "ذاكرة وعدالة". وقد أمضى سبع سنوات سجيناً في الاعتقال الانفرادي.

- من تتهمون تحديداً بتعذيبكم داخل السجن؟
بطبيعة الحال، نحن نوجه التهمة في ما تعرضنا له لقيادة البوليساريو. ونعتبر أنّ المسؤولية جماعية، إلى أن يتم إجراء تحقيق مستقل يحدد المسؤوليات الفردية. وعلى العموم فإنّ تحقيق المحكمة التي نطالب بتشكيلها هو الذي يمكن أن يحدد المسؤولية المباشرة وغير المباشرة.

معتقل سابق لدى الجبهة
في منطقة تندوف الصحراوية القريبة من موريتانيا، انضم محمد فال ولد القاضي مع رفاق له إلى جبهة البوليساريو، في سبعينيات القرن الماضي. لكنّه كغيره أمضى سنوات عديدة في سجون الجبهة، بتهمتي الخيانة والتجسس. ومع أنّ ولد القاضي الذي سجن عام 1982، تسنى له الخروج من المعتقل عام 1988، فلم ينس القضية وأسس مع رفاق له جمعية "ذاكرة وعدالة" عام 2009. كتب ولد القاضي مذكراته عن فترة الاعتقال بعنوانين هما "الهجرة إلى الشمال" و"عائد من الجحيم".