اليمن: طوابير الهواتف تلحق بطوابير السيارات

16 ابريل 2015
تهافت اليمنيين على شراء الثلج (العربي الجديد)
+ الخط -



"هيا يا ابني حاول أن تخلص الشغل قبل أن ينطفئ المولد الكهربائي، وتترك الزبون بنصف رأس"، بهذا يطالب الحلاق حمود ابنه معاد، ويؤكد له أن يحرص على الاستفادة من كمية لتر واحد من البنزين، والذي حصل عليه بصعوبة من السوق السوداء، التي تباع فيها المشتقات النفطية بأسعار باهظة.

ويعاني المواطنون اليمنيون في محافظة تعز اليمنية، كغيرهم في صنعاء وعدد من محافظات الجمهورية اليمنية منذ أكثر من ثلاثة أيام متواصلة، من انقطاع شامل للكهرباء والتي تعطلت معها الأعمال والحركة، مما صعّد من أعراض الأزمة.

وكانت عين "عبد المشجبي"على بطارية تلفونه المحمول بينما كان يهاتف زوجته، فانخفض مؤشر الطاقة، فطلب منها أن تقنع ابنته الصغرى بأنه لن يتمكن من الحديث معها، مثلما تعوّد كل مساء، وأقصى ما يحلم به عبود - بائع قات في تعز - أن يجد مصدراً للكهرباء يشحن هاتفه المحمول، ويطمئن على أسرته، التي تسكن بعيدة عنه في إحدى المناطق الريفية.

في شارع جمال، وسط مدينة تعز، وجدنا عشرات المواطنين وهم واقفون في طوابير طويلة خلف سيارة تبيع قطع الثلج، فهذه الوسيلة الوحيدة التي تبقت للكثير من الأسر من أجل حصولهم على الماء البارد. والحال نفسه  ينطبق على محمد الأصبحي، صاحب بوفيه للعصائر، ويحتاج إلى استخدام الثلج حتى في الأيام التي تكون الكهرباء فيها متوفرة.

كما لا يتردد العديد من أصحاب المحلات التجارية في المدينة في اللجوء إلى استخدام المصابيح الراسية، وذلك من أجل التنقل بين البضائع، وإشعال الشمع خلال أوقات الليل. ويقول الحاج عبدالله العديني (50 عاماً) لـ"العربي الجديد"، إن"هذه المصابيح تذكره بأيام حياته الأولى في الريف، وذلك لا يمنع أبناء تعز من متابعة السياسة"، ويضيف أنه اضطر للبحث عن مذياعه القديم من أجل الاستماع إلى آخر الأخبار والتطورات.

الحاجة أمّ الاختراع

عادة ما يبتكر اليمنيون وسائل جديدة وبديلة لمكافحة أية أزمة طارئة، التي عوّدتهم عليها الأيام، فوليد الصبري، واحد من الشباب ويعمل سائق دراجة نارية، أكد لنا أنه يستخدم منذ يومين مادة التنر بدلاً من البنزين، أحد مشتقات النفط القابلة للاشتعال، ووليد هو الآخر كان لديه من البنزين أقل من لتر واحد اشتراه بألف ريال يمني، بعد أن كان سعره حتى قبل أيام 18 ريالاً يمنيّاً.


ويضع وليد البنزين في قارورة صغيرة ويحتفظ به في جيبه، حتى أصبح قابلاً للاشتعال في أية لحظة، وكل من يصادفه يبادره بالسؤال هل تعمل في محطة بنزين؟ يفيد وليد بأنه في البداية يصب القليل من البنزين في خزان البترول ومجرد أن تشتغل دراجته النارية يقوم بعدها بإضافة التنر الذي يستمر في الاحتراق.

كما التقينا صاحب محل لمواد البناء في شارع جمال، وقال إنه أيضاً وسائقي باصات الأجرة، اشتروا جالونات التنر ويستخدمونه بالطريقة نفسها، ونتيجة زيادة طلب الشراء عليه ذهب لشراء كمية أخرى ولكن سعره أصبح مرتفعاً أيضاً.

لا نعرف من كان صاحب الفكرة، لكن ما يمكن تأكيده أنه اكتشاف جديد يلجأ الكثير لاستخدامه، وهم يدركون أن التنر مادة نفطية خطيرة لا تؤثر على محركات التشغيل فحسب، ولكنها مادة مخدرة، ويمكن التمييز بين السيارات المشغلة بواسطة البنزين أو التنر من خلال الصوت المتقطع والمتضخم، كما يبعث التنر الأدخنة.

أسطوانة الغاز المنزلي هي وسيلة الابتكار الجديدة عند سمير صادق، والذي استطاع أن يولد من خلالها الكهرباء، حيث دفعته حاجته إلى الكهرباء إلى تحويل مولده الكهربائي من الاشتغال بالبنزين إلى الغاز.

ويقول سمير إنه مجرد أن سمع جيرانه في الحي صوت المولد تسابقوا جميعاً نحوه من أجل شحن هواتفهم المحمولة، حيث تجمع حوله في ذلك الوقت بالذات أكثر من ثلاثين هاتفاً، كما صار يتصل بأصدقائه ويعرض عليهم امتيازاته الخاصة.

ولم يستطع الشباب أن يتحملوا استمرار انقطاع الكهرباء أكثر من 24 ساعة، خصوصاً المعتادين على تصفح مواقع وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتس أب)، الأمر الذي جعل أحد بائعي محلات الشعير في منطقة الجحملية، والذي يتوفر لديه بعض مخزون الديزل، إلى إعلان عرض خاص، حيث أصبح يشحن الهاتف الواحد بـ 100 ريال مدني، ويشحن خازنات كهرباء كبيرة من 150 إلى 200 ريال يمني. 

أسباب المشكلة 

بالمقابل أرجع مدير عام مؤسسة الكهرباء، المهندس خالد راشد، مشكلة انقطاع الكهرباء في عموم محافظات الجمهورية، وبينها تعز، إلى انعدام الوقود من مادتي المازوت والديزل، التي تقوم بتغذية المحطة الرئيسية لتعز، وأيضاً عملية القصف التي طالت عدداً من خطوط نقل الطاقة الكهربائية في أماكن ضربات "عاصفة الحزم" في مأرب.

وطالب راشد الجميع بالنأي بالكهرباء ومصالح المواطنين عمّا يحدث، قائلا:"نحن نقول إن قطاع الكهرباء قطاع هام وحيوي للناس جميعاً، المستشفيات فيها مرضى وفيها جرحى ومصابون. هؤلاء تتعرض حياتهم للخطر بسبب انقطاع الكهرباء، هذا ناهيك عن أن المياه قد تتوقف الآن بشكل نهائي".

"هذا حصار خانق وحرب باردة وبلد لا يصلح للعيش فيه"، هكذا يصف الصحافي، تيسير السامعي، لحظة احتياجه لأبسط الأدوات التي تمكنه من إرسال خبر صحافي في رسالة هاتفية، الأمر الذي يدفع البعض إلى التحذير من كارثة إنسانية في حال استمرار انقطاع الكهرباء بهذا الشكل، واختفاء المشتقات النفطية وتوقف وسائل المواصلات.

اقرأ أيضاً:البطالة تلاحق موظفي السفارات في اليمن