مبادرة "نسيج" لتأكيد هوية كفر ياسيف الفلسطينية

03 فبراير 2015
جانب من الجولة (العربي الجديد)
+ الخط -


تبدو قرية كفر ياسيف الجليلة، والتي تقع في قضاء عكا المحتلة عام 1948، خارجة عن نص الريف التقليدي المهمّش، فالقرية التي ينتمي سكانها إلى عدة مكونات اجتماعية، تميّزت بنسبة عالية من الأكاديميين والمتعلمين، وكانت الرائدة في إقامة أول مجلس عربي لقرية فلسطينية عام 1925، وذلك إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين.

ولم يكن مصير كفر ياسيف كغيرها من القرى المجاورة والمحاذية لها، والتي هُجّرت وشُرّد أهلها، على أيدي العصابات الصهيونية، مثل البروة والكويكات والكابري والبصة والغابسية. فاستقبلت القرية أهالي القرى المهجرة المجاورة لها عام النكبة، ويسكن في القرية اليوم أكثر من 10 آلاف نسمة يشكلون نسيجاً اجتماعياً واحداً، في حين كان يقدّر عدد السكان في عام 1948 بقرابة ألف نسمة فقط.

وللتعريف بالقرية، وضمن إطار الفعاليات الوطنية في الداخل الفلسطيني، لمجابهة سياسات الفصل العنصري الإسرائيلي والتمييز الطائفي والتجنيد الاجباري للدروز، بادرت مجموعة "نسيج" إلى نشاطها الأول بجولة للتعرف على البلدة القديمة ولتعريف الجيل الشاب على تاريخ البلدة وأزقتها العريقة وتراثها وعلاقاتها الاجتماعية التي ميّزتها طوال تاريخها.

و"نسيج"، هم مجموعة من أبناء كفر ياسيف الغيورين على بلدهم، تجمعهم الرغبة بعيش مشترك في مجتمع بلدي متكاتف، وتطمح لتعزيز روح التعاون والوحدة، من أجل الحفاظ عليها وتوارثها من جيل إلى جيل، ما يسهم في مناهضة سياسات التفرقة الإسرائيلية على أسس طائفية بين أبناء فلسطين الداخل.

وجاء في منشور وزّع خلال الجولة: "تعالوا لنتشارك معاً الرغبات، الأفكار والمقترحات. تعالوا لنتشارك معاً بفعاليات اجتماعية وثقافية وفنية. تعالوا لنحيك معاً خيوط مجتمعنا بألوانها المتعددة لنعزز ونجمّل نسيجنا، ندعوكم بهذا لأخذ دور فعّال معنا وللمساهمة في بناء مجتمع متناغم".
انطلقت الجولة من منطقة السوق مروراً بالعين وإلى المشنقة والمتحف، متّجهين نحو منطقة المنزول بالمراح، بمرافقة أهالي القرية التي عاصروا عهد الانتداب البريطاني وشاهدوا النكبة، يشرحون من خلالها عن أهم معالم القرية وتاريخها القديم والحديث بنكهة شعبيّة مع التطرق لمزايا الحياة الاجتماعية التي ميّزت المجتمع في البلدة على مر السنين.


واستعرض الدكتور بطرس دلة، في الجولة، تاريخ القرية، وهو من مواليد 1934، وكان قد جمع معلومات عن البلد، وقال: "يعود تاريخ القرية إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، بناها الفينيقيون وكانت تابعة لمدينة عكا. وهي أول قرية فلسطينية أقامت مجلساً محلياً بلدياً عام 1925، وكان رئيس المجلس الأول يني قسطنطين يني، وهو من أصول يونانية، وفي عام النكبة لم نقاوم (العصابات الصهيونية)، ولم نستطيع أن نقاوم لعدم وجود السلاح لدينا.

وعندما جرت مهاجمة القرية بمصفحات الهاغاناه من جهة قرية الكويكات، رفعت الرايات البيضاء للاستسلام بقرار من رئيس المجلس، وعندها احتلوا البلد من دون مقاومة عسكرية".

ويستطرد بطرس دلة بالقول: "كان حينها الأهالي متأثرين بالمجازر الفظيعة التي قام بها الإسرائيليون في بلدات مثل دير ياسين. ولذا، تم التوقيع على معاهدة استسلام من شخص اسمه أوربخ وسكرتيرته أسمها إستر. ويومها كنت ابن 14 عاماً. عندما هجموا على البلدة، خرج الكثير من الناس للاختباء في قرية يركا، وأنا أيضاً خرجت لمدة أربعة أيام وبقيت في يركا".

وعن التعليم في القرية، يقول دلة إنه في عام 1883 أقيمت المدرسة الثانوية الأولى التابعة للمسكوبية الروسية واستمرت حتى عام 1914 حتى الحرب العالمية الأولى ومن ثم أغلقت".
وقالت شادية سبيت، وهي من المبادرين لمجموعة "نسيج": "هدفنا تعزيز الانتماء للقرية وتقوية الحيّز المشترك بدلاً من التعامل مع الفروقات الفردية والحفاظ عليها للأجيال المقبلة".


وتابعت: "الفكرة تبلورت من مجموعة في ظل الأحداث الأليمة في قرية أبو سنان بظل العنصرية والتباعد بين فئات مختلفة في القرية. مع أن وضع كفر ياسيف يمتاز بوجود وعي ثقافي وسياسي عالٍ نسبياً. رؤيتنا تتلخص في أنه بانعدام الفعاليات المشتركة لا يمكن إصلاح المجتمع. وسنقوم بذلك عن طريق فعاليات بسيطة، مثل جولات، دبكة في الشارع، رقص، رسم وتصوير".

وقال عبد الكريم صافية، من مواليد عام 1938، متحدثاً عن العلاقات الاجتماعية الوطيدة بالقرية: "اشتهرت البلدة بسوق كفر ياسيف، كانوا يأتون إليه من قرية بنت جبيل اللبنانية حتى غزة، وشربنا من هذه العين النبعة حتى عام 1962، إذ كانت النساء تحمل المياه على رأسها.

وكنا نقول "وحياتك يا درب العين ما بتروح من بالنا، إن كان العين بتنسى العين نحنا ما مننسى حالنا"، وكان ملتقى العشاق بجانب العين. نريد أن تأخذوا الأشياء الإيجابية. عشنا وقتها بفقر والبلد جميعها تشارك بعض بالأفراح. في بيت أهلي وحارتنا، كل جيراننا كانوا إخوة من جميع العائلات والأديان المختلفة. كنا ندافع عن ابن البلد حتى لو نشهد شهادة زور، وحكوا لنا عن الشيخ سليمان، وكان المختار زمن الأتراك، بأنه كان حتى يحمي ابن بلده فيشهد شهادة زور. لم نعرف الفرق بين المسيحي والمسلم، الأكل والمشرب معاً، وحافظوا جميعاً على العلاقات الطيبة".

ومرت الجولة بجانب ساحة ملعب التنس، الذي أقيم في الثلاثينات من القرن الماضي، وكان يشارك به النساء والرجال معاً. ومن ثم تابعت الجولة إلى معاصر الزيتون القديمة، وكان عددها تسع معاصر، ومن ثم الى النادي الثقافي بكفر ياسيف، وكان يستقبل مهرجانات شعر.

وشرفت القرية بأن حضر مهرجاناتها الثقافية كل من الشعراء راشد حسين، سميح القاسم، محمود درويش، حنا بو حنا وعصام عباسي. وكان يجتمع 3 آلاف شخص للمشاركة بمهرجان الشعر، ويأتون إليه من جميع المدن والقرى العربية. تجدر الإشارة إلى أن الراحل محمود درويش قد أنهى دراسته في مدرسة يني الثانوية.

وكان أهل القرية يتحلقون حول حنا داوود في الماضي، حيث إنه كان الوحيد الذي يقرأ الصحف التي كانت تأتي من عكا.
انتهت الجولة في ساحة المنزول والتي اعتاد أهالي القرية استقبال الضيوف الأغراب بها، ويقيمون لهم عروضاً بالعزف على الربابة وأيضاً يحكون حكايات عن الزير سالم، وفق ما روى الدكتور دلة.
دلالات