معلّم تونسي يحارب الإرهاب ببناء مسرح

26 نوفمبر 2015
أثناء بناء المسرح (العربي الجديد)
+ الخط -
قام معلّم تونسي، يدعى فؤاد حمدي، من محافظة جندوبة، شمال غربي تونس، بتشييد مسرح وسط مدرسته على نفقته الخاصة، تحت شعار "أعطني مسرحا أعطيك تلميذا متميّزا"، كما قام بتزيين جدران المدرسة بكتابة القواعد النحوية وجداول الضرب التي يجد التلاميذ صعوبة في حفظها.

ويعتبر فؤاد حمدي أنّ مقاومة الإرهاب ممكنة في تونس من خلال توعية التلاميذ وحثّهم على المعرفة بعيدا عن التطرف والانغلاق. وتشهد مدرسة الهادي خليل، التي تأسست عام 1989 نقلة نوعية بفضل أفكار المعلّم المبدع، رغم أنها تقع في حي شعبي، وفي منطقة تشكو غياب التنمية كغيرها من المحافظات المنسية.

وقال حمدي، لـ"العربي الجديد"، إنّه تولّى إدارة المدرسة قبل نحو 6 أعوام، وأنها تضم 171 تلميذا، لكنه اعتاد أن يترك بصمته في كل مكان يحل به، مبيّنا أنه زرع أشجارا في مدارس ريفية، ورسم رسومات جميلة على الجدران، ودوّن أبياتا شعرية في كل مكان.

وأوضح حمدي أن المناهج التعليمية التي تقوم على التلقين مملّة، وإذا أضفنا طول ساعات التدريس، وغياب التجديد، فنفس المدرسة والجدران تتعاقب عليها الأجيال. وكل هذه المسائل تؤثر على نفسية التلميذ، وتنفّره من الدراسة وتؤدي إلى نتائج هزيلة.

كما اعتبر أن الوقت حان للتجديد وتغيير النظرة الكلاسيكية للمدرسة، إذ لا بد أن يشعر التلميذ بالراحة، وأن المدرّس قريب منه، مشيرا إلى أنه لا يتوانى عن مرافقة أي من تلامذته إلى الأنشطة الرياضية أو المسابقات الغنائية والشعرية.

وعن مشروع تشييد أول مسرح هواء طلق في ساحة المدرسة الابتدائية "الهادي خليل" ببوسالم، قال إنه تم بمجهودات خاصة وبمساعدة عدد من الأولياء والتلاميذ، وأن سعته 300 متفرج، أي التلاميذ وأولياؤهم.

إلى ذلك، أوضح انّه شيّد بنفسه هذا المسرح، وأنه سيكون جاهزا في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول، وسيحتضن عدة عروض مسرحية، وفقرات من ابتكارات التلاميذ أنفسهم، وبيّن أن العروض ستكون وقت راحة التلاميذ بين الدروس، وستستغل في الحصص التنشيطية بالمسرح وفي المطالعة الجماعية.

وقال المعلم إنّ ما أقدم عليه كان فعلا مغامرة، وأنه كان سيتعرض إلى توبيخ أو عقوبة، لأنه كسر القيود الإدارية، وقام بتشييد المسرح دون الحصول على إذن من وزارة التربية، ولكن نجحت التجربة، ولاقى مشروعه استحسان التونسيين، واكتسح مواقع التواصل الاجتماعي، فاستقبله وزير التربية، ناجي جلول، في مكتبه، معبّرا له عن إعجابه الشديد بالأفكار التي قام بها.

وأكدّ حمدي أن الوزير اقترح عليه مساعدات مالية لإتمام مشروعه بالمدرسة، ولكنه طلب توفيرها لتشييد مسارح أخرى بمدارس ريفية، مبينا أن هذه الخطوة البسيطة ظهرت نتائجها سريعا وأصبح كثير من الطلاب يتجنبون العديد من الأخطاء الشائعة.



وأشار المعلم إلى أنه أرسل طلبا إلى المندوبية الجهوية للتربية لتجديد الطاولات التي تقادمت، ومرت عليها دهور، وأصبحت منفّرة وغير لائقة، ولكن طال الانتظار ومرت 6 أعوام والطلب ظل على الرفوف بزعم ضعف الميزانية ونقص الموارد المالية، فاقترح على التلاميذ دهن الطاولات، ووضع رسوم عليها، فتحولت تلك الطاولات البائسة إلى لوحات جميلة وكأنه تم اقتناؤها للتو.


كما لفت إلى أنّه بعيدا عن الفضاء المدرسي، لا بد من فضاء آخر للتعلُّم، ما دعاه إلى استحداث مشروع "تعلّم خارج المدرسة"، مبينا أنه بدلا من إهدار الوقت في حصص مدرسية عن العمل البلديّ، والنظافة وحماية البيئة، فإنه يتولى اصطحاب التلاميذ إلى البلديات، وإلى أقسام "الحالة المدنية"، وإلى المستشفيات، وإلى مشاريع الجسور، وإلى "الضيعات الفلاحية"، وهناك يتعلمون دروسهم ويستفيدون من التجارب.

وذكر أن إحدى الزيارات خصصت إلى المكتبات العمومية، وأنه بعد الزيارة لاحظ أن عدد المسجلين بالمكتبة قفز من تلميذين سابقا، إلى 76 تلميذا بعد الزيارة. وقال حمدي: "في كل مكان نقصده لا بد أن نترك أثرا، فقد نظمنا زيارة من الشمال الغربي إلى الجنوب التونسي، وهناك حملنا أغصان شجر الزيتون التي تميّز الشمال الغربي، وزرعناها في مدارس بالجنوب التونسي، واكتشف التلاميذ التضاريس وسفوح الجبال، ومنها جبل الشعانبي، كما زرنا مؤخرا مدرسة على الحدود التونسية الجزائرية، ورسم التلاميذ عدة لوحات على الجدران، وكتبوا لا للإرهاب".

ومن بين الزيارات التي بقيت عالقة بذهنه، زيارة خصصت إلى مدينة الكاف، وتحديدا إلى منزل شهيد الأمن سقراط الشارني، الذي توفي على يد الإرهابيين. ويقول حمدي إنه طلب من تلامذته كتابة رسائل إلى والد الشهيد، فكانت رسائل عفوية رائعة، حيث قال له والد الشهيد إن العديد من السياسيين والمسؤولين زاروه، ولكن رسائل هؤلاء الأطفال تركت في نفسه أثرا عميقا.



اقرأ أيضا:طبيب تونسي نام بجوار طفل مريض: قمت بواجبي
المساهمون