في اليوم العالمي للغة برايل، يتفكر الإنسان بأهمية هذا الاختراع الذي غيّر واقع الكثير من الناس وطوره إلى الأحسن.
لغة برايل التي تفيد أعداداً كبيرة من ذوي الإعاقات البصرية، والذين قدرت منظمة الصحة العالمية أعدادهم في العام 2010 بنحو 285 مليون نسمة (العمى + ضعف البصر) في جميع أنحاء العالم، منهم 246 مليون نسمة مصابون بضعف البصر و39 مليون نسمة مصابون بالعمى. كما قدرت نسبتهم في الشرق المتوسط بنحو 12.6% من نسبة العمى في العالم.
ولم تعد لغة برايل مقتصرة على المطبوعات الورقية فقط، بل صارت لغة ملحقة بالتطور التقني، بحيث تتوفر لصاحب الإعاقة البصرية اللوح والقلم (المرقّم)، السطر الإلكتروني، المذكرات إلكترونية، الطابعات الملحقة بأجهزة الكومبيوتر، طابعات برايل اليدوية، وجهاز ماسح ضوئي يستطيع قراءة سبع لغات ويحورها إلى لغة برايل وهو ما يعتبر ثورة في عالم التكنولوجيا، والكثير غيره من الاختراعات التي تسهل حياة هذه الفئة من الناس.
واختراع لغة برايل منذ 186 عاماً، أنار الطريق أمام المكفوفين وفتح لهم أبواب العلم والعمل. وحسب الباحثين والمتخصصين، فإن التعلم المبكر للغة برايل يوسع فرص النجاح الأكاديمي والمهني في حياة المكفوفين. حيث توفر لهم إمكانية القراءة، وتعلم تعقيدات اللغة من هجاء ونحو وعلامات ترقيم وحتى علوم العروض وغيرها. كما توفر لهم تعلم المواد العلمية المعقدة، كما تتيح له القيام بالكثير من الأعمال مثل المرافعات في المحاكم، وإلقاء المحاضرات، والكثير غيرها من الوظائف.
وأدخلت التعديلات على لغة برايل الأساسية، ومنها كتابة برايل بلغة العربية على يد المصري محمد الأنسي في منتصف القرن التاسع عشر الذي أراد التوفيق بين أشكال الحروف المستخدمة في الكتابة العادية وشكلها في الكتابة النافرة. وقد قامت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في عام 1951 بتوحيد الكتابة النافرة، بقدر ما تسمح به أوجه الشبه بين الأصوات المشتركة في اللغات المختلفة. وقد نتج عن هذه الحركة النظام الحالي للرموز العربية.
للتعرف أكثر إلى لغة برايل، من الجيد أن نتعرف إلى مخترعها، وهو الفرنسي لويس برايل، من بلدة صغيرة اسمها كوبفراي قرب باريس، من مواليد يناير/كانون الثاني 1809. أصيب لويس بالعمى وهو في الثالثة من عمره بسبب حادث في مشغل لأبيه، وكان يستخدم مثقابا عندما أصاب عينه عن طريق الخطأ، ولكنّ التهاباً بالعين انتقل إلى الأخرى، ففقد البصر وصار كفيفاً.
أمضى لويس سنتين في مدرسته بعد الحادث ولم يتمكن من التعلم إلا عبر الاستماع. وتغير الحال عندما التحق بالمدرسة الملكية للفتيان الفاقدين للبصر عندما كان في العاشرة من عمره.
وفي 1821 زار كابتن المدفعية في الجيش الفرنسي شارلز باربييه المدرسة، وأخبر التلاميذ عن اختراع له يسمى الكتابة الليلية، وكان عبارة عن نظام للتواصل الليلي بين الجنود من دون صوت، يتألف من 12 نقطة لتمثيل الأصوات، وأطلق عليه أيضاً التمثيل فوق الصوتي. وكان لديه القناعة بأن اختراعه هذا قد يكون مفيداً للمكفوفين.
اعتمد النظام كطريقة مساعدة في تدريس الطلاب. وبدأ برايل بالعمل على تحسين تقنيات النظام، الذي كان يرتكز على 36 صوتاً للحروف الأبجدية الفرنسية فقط.
وبين عمري 13 و16 سنة ضمنه لويس الإملاء وعلامات الترقيم. واستخدم كما باربييه آثار النقاط، لكنه قلص عددها من 12 إلى 6 تسمى الخلية، وهي مرتبة في صفين متوازيين في
وأنجز نظامه وأصدر كتابه في العام 1829. وفي العام 1837 أضاف بعض رموز الرياضيات والموسيقى. ولكن لم يتم اعتماد لغة برايل إلا بعد وفاته، في العام 1868.
وقد عانى لويس برايل من أمراض دائمة في الجهاز التنفسي. استقال من وظيفته عندما اشتد عليه المرض، وعندما وصل مرضه لمراحل مميتة عاد إلى بيت عائلته في كوبفراي حيث توفي في العام 1852 بعد يومين من بلوغه 43 عاماً.
نأمل أن يتوفر تعلّم لغة برايل لكل ذوي الإعاقات البصرية في العالم، وبالطبع ليس هو واقع الحال. فنحو 200 عام على خروج هذا الاختراع للبشرية، مدة كافية لكي يستفيد منه كل صاحب حاجة.