الطريق إلى "التحرير" يبدأ من "ناهيا"

24 يناير 2015
متظاهرون في شارع الدقي باتجاه التحرير يوم "جمعة الغضب"
+ الخط -

4 سنوات مضت لم يتغير في المكان الكثير، ربما تغيرت بعض وجوه البشر التي حفر الزمن خطوطا أكثر عمقا عليها، بائع هناك يغازل المارة لشراء بضاعته بعد أن لفحت الشمس وجهه من طول الانتظار، وعجوز هنا تعبر طريق، وقد خلا الطريق من شرطي ينظم حركة السير، قبل قدوم سيارة مسرعة كادت أن تدهسها.

علت أصوات حركتهم الصاخبة بحثا عن "لقمة عيش"، تاهت وسطها أحلام "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية" التي داعبت مخيلتهم يوم 25 يناير 2011.

انشغل عماد محمد، بتسليم أحدهم حصته من الخبز، نظر بقلق لساعته وتمنى، صامتا، أن يمر الوقت بسرعة، كان عليه اللحاق بموعد وردية عمله الثاني بأحد مطاعم شارع جامعة الدول العربية القريب من مقر إقامته في حي ناهيا الشعبي.

اضطر الشاب المصري الثلاثيني للعمل في وظيفتين ليتمكن من الإنفاق على أسرته المكونة من زوجة وطفلة، لم تكمل عامها الأول، "أبدأ عملي في بيع الخبر منذ السادسة صباحا وأنهيه في الثانية عشرة ظهرا، أتوجه بعدها مسرعا لعملي الثاني بشارع جامعة الدول"، قال عماد وجبهته تتصبب عرقا.

تابع بصوت متعب: "أحصل على 700 جنيه شهريا من عملي في بيع الخبز، اضطررت للعمل في مطعم بعد الظهر لأتمكن من الإنفاق على أسرتي، لقمة العيش صعبة" حسب قوله.

تردد صدى هتاف "عيش حرية عدالة اجتماعية" بقوة في أذنيه عندما سمعه قبل 4 سنوات في نفس المكان، "العيش والكرامة" دفعاه للتوجه إلى ميدان التحرير في اليوم نفسه، وهما أيضا سبب قراره بالتصويت بـ"نعم" في الاستفتاء على الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين، "عشان البلد تستقر"، حسب تعبيره.


عاد الشاب بذاكرته إلى الوراء قليلا، ليروي ما حدث قائلا "فوجئت ظهر يوم 25 يناير 2011 بمجموعة من الشباب، تجمعوا أمام مسجد (السنية) المقابل لمنفذ بيع الخبز الذي أعمل فيه، يهتفون "عيش حرية عدالة اجتماعية. شعرت أنهم يهتفون لي، فراتبي كان ضئيلا لا يكفيني حتى نهاية الشهر".

انطلقت المسيرة من شارع ناهيا وعبرت كوبري بولاق بسلام، "لكن المعركة بدأت بمجرد الوصول إلى شارع جامعة الدول، حيث أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز والخرطوش لمنعهم من الانضمام لمتظاهرين كانوا قد تجمعوا أمام مسجد مصطفى محمود" في وسط الشارع تقريبا.

أكمل بحماس "فشلت قوات الأمن في التصدي للشباب. كانت الأعداد التي خرجت من ناهيا كبيرة، وانضمت المسيرة بالفعل للمظاهرة التي كانت موجودة أمام مسجد مصطفى محمود ثم انطلقوا ناحية شارع البطل أحمد عبد العزيز، ومنه إلى ميدان التحرير عبر ميدان الدقي".

وأضاف "لم أتمكن من مشاركتهم بسبب عملي، فلحقت بهم ليلا إلى الميدان، كنت أتردد على الميدان يوميا، وجدت الآلاف مثلي يشعرون بالظلم، راودنا جميعا الأمل في حياة كريمة وبلد يحترم آدميتنا".

كان اعتداء ضباط قسم شرطة الدقي على عماد وشقيقه الأصغر قبل اندلاع الثورة بشهرين، سببا رئيسيا دفعه للمشاركة في الثورة، يحكي عن الواقعة قائلا: "تم اقتيادنا من الشارع وضربونا في القسم، صفعني أحد الأمناء على وجهي عندما حاولت مقاومتهم، واستولوا على النقود التي كانت بحوزتي. لم أنطق بكلمة واحدة لأنهم حكومة (اللفظ الشعبي الذي يصف به المصريون الشرطة)، تركونا نذهب، بعد احتجازنا لساعات، دون تحرير محضر لعدم وجود تهمة من الأساس، شعرت وقتها بالذل".

يكمل الشاب "شعرنا بفرحة كبيرة عند تنحي مبارك، تجدد فينا الأمل في تغير الحال وأن يأتي رئيس جديد يشعر بالغلابة والبسطاء أمثالنا"، لكن هيهات لم يحدث شيء من ذلك"، حسب قوله.

"تسببت الثورة في خسارتنا، حيث انتشرت أعمال البلطجة وأغلقت الكثير من شركات السياحة أبوابها وكنت أعمل في واحدة منها بعد الظهر، تم تسريحي وكل الموظفين، فاكتفيت بالعمل في بيع الخبز"، قال عماد.

توقف ليعطي أحدهم بضعة أرغفة من الخبز، وعاد ليكمل "جاءت الثورة بالخراب على البسطاء أمثالنا، لم نشعر بأي تغيير ولم تتحسن أحوالنا، لم يهتم بنا أحد. الأوضاع تتدهور من سيئ لأسوأ، فالأسعار في ارتفاع مستمر والبلد تخسر، وزاد على الأمر عدم شعورنا بالأمان".

ويشهد شارع ناهيا، الذي يقع فيه منفذ بيع الخبز، مظاهرات من حين لآخر للمطالبة بإسقاط الانقلاب، وهو ما يعتبره عماد "مجرد وقف حال. لم أعد أثق بأي مظاهرات، يجب أن تهدأ الأوضاع".

وقال بنبرة يملؤها أمل في أن يحمل له الغد جديدا "قلت نعم للدستور لأن الاقتصاد ينهار"، مؤكدا مشاركته في إحياء الذكرى الرابعة للثورة في 25 يناير للمطالبة بالاستقرار وليس تغيير النظام.

كان هذا ما توقعه العضو السابق بائتلاف شباب الثورة محمود سامي، صاحب تكتيك "كرة الثلج" بالانطلاق من "ناهيا"، باعتبارها منطقة "شعبية" إلى "التحرير"، الذي قال "للأسف كل الأنظمة التي حكمت بعد 11 فبراير/شباط 2011 لم تهتم بالإصلاحات الاقتصادية وكرّهت الناس في الثورة، إذا استطلعنا رأي الناس في ناهيا، أتوقع عدم استجابتهم لنا مرة أخرى".
-----------
تابعونا #ثورات_تتجدد