سامح كيرلّس: من مصر إلى سيراليون لمكافحة "إيبولا"

23 يناير 2015
كيرلّس يميناً، مع أفراد من الطاقم الصحي(أطباء بلا حدود)
+ الخط -

قبل عشرة أشهر، راح فيروس "إيبولا" يتفشّى في غرب أفريقيا. فتوجّه "أطباء بلا حدود" إلى المناطق الموبوءة. هذه تجربة أحدهم، كما يرويها لـ "العربي الجديد".

هذه المرّة، لم يُخفِ الطبيب سامح كيرلّس (31 عاماً) وجهة مهمّته عن أهله، إذ "لا يمكن لأحد الذهاب إلى سيراليون، سرّاً". ولكي يهدّئ قليلاً من روعهم، راح منذ وصوله إلى البلاد الموبوءة يفيدهم بالمستجدات لحظة وقوعها.

بعدما اطّلع الطبيب المصري الشاب على دليل الإرشادات العامة الذي وضعته منظمة "أطباء بلا حدود" لكيفيّة المحافظة على صحة طاقمها البدنيّة والنفسيّة في بؤر فيروس "إيبولا"، حزم حقائبه في شهر يوليو/تموز الماضي وتوجّه من ضمن فريق متعدّد الجنسيات إلى غرب أفريقيا. وقد شاءت الصدف أن يصل مركز المنظمة في كايلاهون (شرق البلاد) بالتزامن مع إيساتا التي "تركَت بي أثراً كبيراً".

وإيساتا (عائشة بالعربيّة) كانت تبلغ من العمر سنة وتسعة أشهر. يروي كيرلّس كيف انشغل وبقيّة أفراد الطاقم بها وقد فقدت كل عائلتها. بعد التأكّد من إصابة الصغيرة بالعدوى، "رحنا نحاول إيجاد سرير لها. فالمتوفّر كبير عليها. اقترحتُ وضعها في صندوق خشبيّ يعود لأحد المولدات الكهربائيّة. وهكذا كان، بعدما ملأناه بالبطانيات والألعاب".

مرضى كثيرون راحوا يهتمون بها، وقد تفاءلوا بوجودها بينهم. فكلّ من كان يتواصل معها، تحسّنت حاله. بعد شهر، أُعلِنت الصغيرة ناجية من الوباء القاتل، وسُلّمت إلى منظمة "أنقذوا الأطفال" التي تُعنى باليتامى في مناطق الأوبئة والنزاعات. وتبقى حكاية إيساتا ترافق الطبيب الشاب، بعد نحو أربعة أشهر من انتهاء مهمّته.

في تلك المنطقة الموبوءة، عمل كيرلّس على مدى شهرَين في ظروف جدّ دقيقة. كان مركزهم الوحيد في سيراليون، وكان مجهزاً لاستقبال 40 حالة. لكن مع الوقت، أصبحت سعته 80 سريراً. واليوم، يتوفّر في سيراليون ثلاثة مراكز تابعة للمنظمة، أحدها يضمّ 200 سرير ليفوق بذلك قدرة مستشفى.

ويتحدّث كيرلّس عن "الهلع" الكبير الذي شهده لدى أهالي سيراليون. يقول: "للمرّة الأولى كان إيبولا ينتقل من شرق أفريقيا إلى غربها. لم يكونوا مستعدين. لم يظنوا أنه قد ينتشر. وفي حين رأى بعضهم في ذلك مرضاً خطيراً، عدّه آخرون لعنة أو عمل أرواح".

مذ ظهر الوباء، راحت وسائل الإعلام تتحدّث عن أسباب انتقال العدوى وعن خفافيش. لكن كيرلّس يوضح أنه وإلى جانب أساليب صيد الحيوانات التي تسهّل انتقال الفيروس، تبقى "العدوى الأكبر من خلال عادة منتشرة في المجتمع. هذا ما اتضح لنا. فعندما يتوفى المرء، يلمس الناس جثته كتحيّة له. وعندما يتوفى نتيجة إيبولا، فإن جسمه يحتوي على أعلى نسبة من الفيروس. بالتالي، فإن لمسَ أي من سوائل جسمه كفيل بنقل العدوى".

يقول كيرلّس إن الأطفال عادة هم "الفئة التي لا تستطيع المقاومة، إما بسبب مناعتهم الضعيفة أو سوء التغذية التي تجعل أجسامهم غير قادرة على مقاومة وباء مماثل". كذلك، يتعرّض الأشخاص الذين يهتمّون بالمريض في المنزل للإصابة بسهولة، في حين ينتقل الفيروس في المستشفيات والمراكز الصحيّة التي لا تتبع إجراءات صحيحة.

وهنا، يشرح أن "لإيبولا مراكزه الحصريّة. نحن نصبنا خيماً هي أشبه بمراكز حجر صحي، نقدّم من خلالها للمصابين الخدمات اللازمة. أما العمل، فيأتي بالتنسيق مع وزارة الصحة والصليب الأحمر ويضطلع به طاقمان يتألفان من أطباء وممرضين وعاملين صحة نفسيّة، بالإضافة إلى عاملين لوجستيّين". لكنه يلفت إلى أن الطاقم المحلي معرّض أكثر من الدولي للخطر، موضحاً أن "الاثنَين يحصلان على الحماية نفسها، إلا أن المحلي يختبر ظروفاً مختلفة. نحن نعيش في مكان مغلق، حيث مكافحة العدوى عالية. أما الطاقم المحلي، فيتنقّل بين الناس في السوق والشارع ويختلط بهم. لذا سُجّلت إصابات عدّة بين أفراده وقد توفي بعضهم".

في مراكز المنظمة يخضع المرضى لروتين علاجات. ويشدّد كيرلّس على أن "ما من علاج شافٍ لإيبولا، بل تتوفّر علاجات داعمة حتى يتفرّغ جهاز المناعة لمقاومته دون سواه من المشكلات الصحيّة. لذا نقدّم علاجاً للملاريا، بما أنها منتشرة في المنطقة. فنحن لا نريد للجسم أن يحارب على جبهتَين". يضيف: "كذلك نعطي مضاداً حيوياً للقضاء على سبب ارتفاع الحرارة مهما كان، بالإضافة إلى فيتامينات لتعزيز مناعة المريض. وإذا كان قادراً على الشرب، نقدّم له السوائل، وإلا فنمدّه بمحاليل عبر الوريد".

إلى الرعاية الطبيّة على مدى النهار، "يُخصّص بعد الظهر وقتٌ لزيارة العائلات وإن من خلف جدار عازل. هكذا، لا يشعر المريض بأنه وحده ومنقطع عن محيطه. ويأتي ذلك في إطار الرعاية النفسيّة"، بالإضافة إلى نشاطات يحرص الفريق على إشراك كل المرضى فيها.

من جهة أخرى، يدفع الهلع بعض القرى إلى عزل نفسها. ويخبر كيرلّس: "لم يطلب أحد منها ذلك. لكن بعض شيوخ القرى يرون أنه في حال كان أحد أبنائهم مريضاً، فهو سيبقى معهم. كذلك، لن يسمحوا لأي كان بدخول قراهم ونقل العدوى". يضيف: "لذلك خطورته وفائدته. الخطورة هي أن المريض المحتمل قد يقضي على القرية بأكملها، أما الفائدة ففي أنهم قد يحمون أنفسهم من خلال الانعزال عن كل تهديد".

إلى هذا الانعزال الذي يأتي على الرغم من التوعية والتثقيف الصحي اللذَين يعمل عليهما الطاقم المحلي على الأرض، يُسجَّل رفض مجتمعي في أحيان كثيرة للناجين وعائلاتهم. ويخبر كيرلّس أن المنظمة تتعمّد منح الناجين "شهادة تثبت تعافيهم، وكذلك مرافقهم إلى مناطقهم حيث نقيم لهم حفلة. حتى أننا نصافحهم ونحتضنهم حتى نؤكّد شفاءهم من المرض الذي ينتقل عبر اللمس".

عند التعافي، يكتسب الناجي مناعة. لكنها مؤقتة، بحسب كيرلّس. "فلو اختلفت سلالة الفيروس، هو قد يُصاب من جديد". ويتحدّث عن "علاج تجريبي في مركزَين في سيراليون، عبر مضادات فيروسات أثبتت نتائج رائعة على الحيوانات. هي فرصة نعرضها على الجميع". كذلك، ثمّة "علاج آخر. فالذين شفيوا يملكون مناعة لفترة من الزمن. لذا يمكننا أخذ عيّنة من دمهم، لنعطي المرضى الآخرين البلازما التي تحتوي أجساماً مضادة".

على مدى سبعة أسابيع، كان سامح كيرلّس يحاول مكافحة الوباء وسط ضغط مرهق بدنياً ونفسياً. وعند سؤاله: "هل خفت؟"، يجيب: "كنت أقلق من فكرة أنه لا وقت لديّ للمرض.. أنه من غير المسموح لي أن أمرض".

ناشط في الأزمات

في عام 2008، تخرّج سامح كيرلّس طبيباً متخصّصاً في الطب العام وعمل في وزارة الصحة المصريّة لمدّة سنة واحدة، قبل أن ينضمّ إلى فريق منظمة "أطباء بلا حدود".

في البداية، راح يهتمّ بمجالات الصحة النفسيّة ورعاية الأم والطفل في مكتب المنظمة للتنسيق الطبي في القاهرة، ليشارك بعدها في مهمات ميدانيّة في باكستان وليبيا وجنوب السودان، وأخيراً في العراق.
دلالات
المساهمون