تمتدّ فصول حكاية أبو سلمى مع الثورة السوريّة. هو الممنوع من السفر بقرار من النظام السوري في العام 2007 بتهمة "التطرّف"، والمعتقل في سجون هذا النظام أكثر من مرّة، والمصاب برصاصه في العام 2012، ومؤسس الدفاع المدني في حلب في العام 2013، ومدير المجلس المحلي لمدينة حلب حالياً.
عبد العزيز مغربي (35 عاماً)، المكنّى بـ"أبو سلمى"، هو ابن مدينة حلب. يحمل إجازة في الأدب العربي، وقد حلم بالثورة قبل انطلاقها.
كان من المفترض أن ينضم إلى المجموعة التي اعتصمت أمام مبنى الداخليّة السوريّة في العاصمة دمشق بتاريخ 15 مارس/آذار 2013، للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي حينها. إلا أن التضييق الأمني الذي كانت تشهده مدينة حلب، حال دون مشاركته، ليبدأ نشاطه من داخل مدينته وبشكل سريّ.
يقول: "تابعت مبادرات عدّة في المدينة وعلى سبيل المثال: يوم الغضب. من ثمّ رحت أقوم بالتنسيق السريّ مع قلة من الإخوة الثوار. وقد نجحت محاولتنا الأولى في منطقة باب الحديد، عندما استطعنا الخروج بتظاهرة في ذلك الحي".
يضيف: "حينها تخطّينا حاجز الخوف. وتعرّضت بعدها للاعتقال على يد قوات النظام مرّتَين على التوالي. لكن بعد الإفراج عني، عدت إلى ممارسة نشاطي، لتكون الملاحقة الأمنيّة مصيري". يتابع: "وبدأت معركة حلب. حينها حملت السلاح". تعرّض أبو سلمى لإصابات عدّة بعدما حمل السلاح، وهو الأمر الذي منعه من متابعة العمل العسكري. فانتقل على الأثر إلى "العمل المدني".
وتمّ انتخابه عضواً في مجلس "محافظة حلب الحرّة"، لتبدأ فصول حكاية جديدة عنوانها "الدفاع المدني". يوضح أبو سلمى "خبرتي في الإدارة التي اكتسبتها من عملي الخاص لفترة تقارب التسعة أعوام، ساعدتني على تحديد الهدف أولاً وآليات الوصول إلى ذلك الهدف ثانياً".
ويقول إن "الحاجة الملحّة لانتشال الضحايا والعالقين تحت الأنقاض بفعل البراميل المتفجّرة التي تلقيها آلة النظام، وكلّ المآسي الناتجة منها، دفعتني إلى تشكيل نواة ما عرف لاحقاً بالدفاع المدني في حلب. وقد تعاونت مع مجموعة من الشباب المتطوّعين لإنجاح الأمر. فتمكّنا بعتاد بسيط هو كناية عن رفوش ومعاول وحبال، من إطلاق فريق الدفاع المدني.
البداية
واليوم كبر هذا الفريق وتطوّر، وأصبح مديريّة أولى على مستوى المدينة مجهّزة بالعديد والعتاد". ويعيد أبو سلمى نجاح الدفاع المدني إلى أسباب عدّة، من أبرزها بحسب قوله "الأسس التي تمّ ترسيخها منذ البداية، ألا وهي تجسيد قيم الثورة في التضحية والشجاعة والإيثار.
وقد تجلّى ذلك في كون فريق العمل تطوّعياً. فما من أحد يُجبَر على القيام بأي مهمة، وهمّ الجميع إنقاذ أي ضحيّة ومساعدة أي منكوب". وخبرة أبو سلمى في الإدارة والتنظيم والتي ارتكز عليها في تشكيل فريق العمل، ينقلها إلى الفصائل العسكريّة والمؤسسات المدنيّة في مدينة حلب، وذلك عبر دورات متخصّصة يجريها في الوقت الحالي.
ويشدّد أبو سلمى على انتصار الثورة "معنوياً"، مشيراً إلى أن الجيل الحالي والأجيال المقبلة اعتادت الرفض. ويؤكّد على أن القيم التي تُزرع في عقول الأطفال، لا بدّ وأن تثمر في يوم من الأيام، حتى لو لم يجنِ الآباء ثمارها.
المجلس المحلي
وكان عدد كبير من الثوار من أبناء حلب قد طالبوا أبا سلمى بالانتقال إلى "المجلس المحلي"، كون هذا المجلس المشكّل يحتاج إلى خبرات في القيادة والإدارة. وبعدما استجاب لهم، انتُخب على الفور رئيساً للمجلس.
وقد استطاع الأخير ومعه فريق الدفاع المدني، تجنيب المدينة العديد من الأوبئة. فمن الطبيعي أن تنتشر الأوبئة، مع استمرار الحرب الطويلة التي تشهدها المدينة. كذلك بذل المجلس جهوداً كبيرة تهدف إلى تنظيم العديد من القضايا المحليّة المتعلقة بالمساعدات والمنكوبين.
ويعلّق أبو سلمى على ذلك قائلاً إن "المجلس المحلي في تقدّم مستمرّ. وهو ينهج نهج المؤسسة المتكاملة. وما هذا النجاح الحالي، إلا من صنع الفريق المتكامل والمجتهد".
يتعايش أبو سلمى مع ألمه اليومي الناتج من إصابته بشظايا قذيفة دبابة عندما كان يخوض إحدى المعارك، وكذلك عن إصابته بالتهاب أعصاب العمود الفقري. وهو يتطلّع إلى الأمام، "غير آبه بالفوضى الحتميّة المرافقة للثورة على حدّ وصفه.
ويشدّد على ضرورة أن يكون الجميع قلباً واحداً، فبذلك "النصر حليفنا". وعند الحديث عن إمكانيّة فشل الثورة، يقول أبو سلمى مستحضراً أيامها الأولى: "لا يأس من تأخّر النصر. الوضع في بدايات الثورة كان أكثر صعوبة، ومع ذلك عقدنا العزم ووصلنا إلى هنا".