ليون البوسطجي

10 سبتمبر 2014
كان يشبه ذاك الذي صُوّر في كتاب القراءة (Getty)
+ الخط -

كانت في منزل جدَّيها لأمها، عندما وصل ليون. كان ذلك في عطلة الصيف، قبل 32 عاماً. راحت تنده جدّتها وقد ظنّت أنه أتى ليتناول القهوة كما العادة. لكنه استوقفها وسلّمها طرداً، قائلاً: "هذا لكِ".

فتحت الطرد بحماسة شديدة، لتكتشف كتاباً ورسالة. الكتاب، هو قصّة "سام والفاصولية" باللغة الفرنسيّة. أما الرسالة التي لا تعرف هويّة من بعث بها، فتشير إلى لعبة تقضي بتبادل الكتب. وقد شرحت فيها كاتبتها أنه "كلما تلقّيت كتاباً، ينبغي عليك إرسال آخر إلى أحدهم". فتتكوّن بذلك سلسلة للمطالعة.

لم يكن كتابها الأول، لكنها فرحت به كما لو كان كذلك. فابنة السنوات الست لم تكن تتوقّعه. ومذ ذاك الحين راحت المفاجآت تستهويها، والرسائل والطرود أيضاً. ما زالت تذكر أنها وفي اليوم التالي، كتبت رسالة مشابهة وأرفقتها بكتاب اشترته لها والدتها. لكنها لم تعد تذكر ما هو الكتاب ولا إلى من أرسلته. وراحت تنتظر ليون لتسلّمه طردها، لكن من منزل العائلة هذه المرّة.

هو كان يتردّد كثيراً إلى منزلهم. فهناك، كان يقضي وقتاً طويلاً مع جدّتها لوالدها ويتناولان القهوة مثلما كان يفعل مع جدّتها لوالدتها. لم يكن ساعيَ بريد فحسب، بل كان ينقل أخبار أفراح القرى المجاورة وأتراحها أيضاً. وكان يحب كثيراً "الثرثرة مع الجدات". هذا ما خطر لها، في ذلك الزمن.

عندما تعلّمَت في المدرسة مصطلح "ساعي البريد"، تخيّلت ليون أمامها. فهو ببزّته الكاكيّة، كان يشبه تماماً ذاك الذي رُسِم في كتاب القراءة. لكنه لم يكن يملك دراجة هوائيّة كما في الكتاب المدرسي. هو كان يتنقّل سيراً على الأقدام بين القرى لإيصال البريد وتسلمه، مخصّصاً يوماً لكلّ مجموعة من البلدات. وهي كانت تنتظر مجيئه كل يوم سبت، علّه يحمل لها طرداً أو رسالة.

مؤخراً، راح الأصدقاء الافتراضيّون ينشرون على صفحاتهم على موقع "فيسبوك" أسماء عشرة كتب أثّرت فيهم. لم تشارك الشابة في اللعبة.

لكن تلك التي شاركت فيها عندما كانت في السادسة من عمرها، تعود إليها لتذكّرها بليون.. البوسطجي. وتحنّ إليه، وإلى ذلك الزمن حين كان هو وسيلة التواصل الاجتماعي غير الافتراضي بالنسبة إلى أبناء تلك البلدات.. حين كان التواصل الاجتماعي حقيقة.

تقاعد الرجل الثمانيني قبل زمن طويل. لكنه ما زال يجوب طرقات المتن في لبنان، سيراً على الأقدام. ومن يعرفه، سيتعرّف من دون شكّ إلى تلك الكنزة الكاكيّة التي ما زال يضعها على كتفَيه، في حين تخلّى عن محفظته البنيّة التي حملت على مدى عقود أسرار كثيرين، وفي أحد الأيام قصّة "سام والفاصولية".
المساهمون