"بائع البسكويت" في حلب.. ليس مجرد ميكرو فيلم

05 يونيو 2014
طفل سوري "بائع بسكويت أيضاً" في باب السلام (Getty)
+ الخط -

لا تعتبر حالة الطفل السوري، البالغ من العمر عشر سنوات، والذي قتل في قصف قوات النظام حيَّ بستان القصر، السبت الماضي، مسألة فردية، ففي ظل الموت المخيِّم على الواقع السوري اليومي، أضحى موتُ الأطفال حالة مألوفة لدى السوريين.

طفل حي بستان القصر، لم يعرف له الأهالي اسما، فاصطلحوا على تسميته بـ"بائع البسكويت"، ومثله كثيرون. لم يعد حُلم الطفل السوري المفقود النومَ على هدهدات أمِّه، بل بات صوت الطيران يخترق أذنيه قبل صوت أمه، في ظل البراميل، التي تنهمر بشكل يومي على المدينة، وتقتل العشرات من المدنيين.

"
الموت، حاصد أرواح أطفال سورية، لم يتوقف عند بائع البسكويت وحده
"

كما تشبه حكاية الطفل بائع البسكويت نماذج كثيرة في أوروبا القرن التاسع عشر، ووحشية الثورة الصناعية، كما في حكاية بائعة الكبريت للكاتب الدانماركي كريستيان أندرسون وغيرها، مع الاختلاف في الأسباب والنهايات في حالة ثورة تشهد قتلا وحشيا من أجل تثبت نظام بكرسي الحكم.

إلا أن ما يفاجئ، في مثل هذه النماذج، هو التركيز على الحالة الفردية، وترك الطابع العام أحياناً، مما قد يؤدي إلى الخروج بنتيجة مفادها أن ما يحصل لا يعدو كونه حالات فردية لا تتجاوز تلك الأسماء، التي طرحت منذ بداية الثورة في سورية في مارس/آذار 2011 بعينها، من حمزة الخطيب إلى علا جبلاوي، ثم هاجر الخطيب، وصولا إلى بائع البسكويت، متناسين أن هنالك مئات المجازر، والأطفال دائماً هم الحلقة الأضعف في هذه المجازر.

لعل البعض يحاول أن يوصل فكرة مفادها أن أطفال سورية قد تحولوا إلى رجال، ويقومون بإعالة الأسرة نتيجة موت الأب أو اعتقاله، ولكن هذه حقيقة لا تخفى، موجودة من قبل قيام الثورة بسنوات طويلة، وليس بخافٍ على أحد أن آلاف الأطفال السوريين امتهنوا بيع السجائر

"
أطفال سورية صاروا رجالاً حتى من قبل الثورة
"

المهرّبة على أرصفة الشوارع الرئيسية في المدن، أو بيع المهربات من المواد الغذائية، والعمل في مهن قاسية أحياناً تودي بحياتهم.

وهناك الكثير من الأبحاث والمقالات التي تتحدث عن عمالة الأطفال أيام السلم وليس الحرب، حيث قدرت نسبة عمالة الأطفال في سورية حتى 2010 بـ 5.12 في المائة، حسب دراسة ميدانية أجرتها اليونيسيف.

أما ما حصل بعد قيام الثورة، وما تبعه من انهيار اقتصادي خطير في سورية، التي تحولت إلى ساحة حرب استنزاف طويلة، جعلت الكثير من الأطفال يخرجون إلى ساحات العمل - إن وجد هذا العمل- أو بيع الأشياء الرخيصة، دون وجود رأسمال، ومن يتكرم بالزيادة فمن باب الصدقة، وفي الغالب لا يشكل ذلك إهانة لكرامة الطفل، وهذا الحال ليس فقط في الداخل السوري، أو تلك المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وإنما هي حالة عامة حتى في المناطق، التي يسيطر عليها النظام، وصولاً إلى دول الجوار التي ينتشر فيها الأطفال لبيع البسكويت والمناديل الورقية في الحدائق، أو على الإشارات المرورية.

في قراءة أخرى لما حدث لبائع البسكويت الحلبي من منظور عام، نجد أن عدد القتلى من

"
عدد القتلى من الأطفال في سورية، منذ الثورة، تجاوز  11 ألف طفل

"

الأطفال وصل في سورية خلال سنوات الثورة الثلاث، وبالتحديد حتى 25 أبريل/ نيسان 2014، إلى (11474) طفلاً، سواء بالبراميل المتفجرة، كما في حلب وعدة مناطق سورية، أو بالكيماوي، كما حدث في الغوطة، أو ذبحاً بالسكاكين كما حدث في الحولة وغيرها من المجازر، التي تحصد الأطفال بلا رحمة.

وحسب تقديرات منظمة اليونيسيف للطفولة، هناك أكثر من 5.5 مليون طفل سوري تأثروا بالحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفي تصريح لـ "أنتوني ليك"، المدير التنفيذي لليونيسيف، فإن هناك أكثر من مليون طفل سوري مشرد، مما يجعل سورية البلد الأخطر في العالم على حياة الأطفال، بالإضافة إلى تراجع كبير في التعليم بسبب استهداف المدارس، فضلاً عن الزواج المبكر للفتيات بسبب الفقر، ولعل التقرير الصادر عن مجلس الأمن، والذي يتهم فيه جميع الأطراف في سورية بتجنيد الأطفال لخوض المعارك الدائرة في سورية، يسلط الضوء على واحدة من أهم هذه المآسي، التي يتعرض لها الأطفال.

كل ما ورد سابقاً، لا ينفي أن ما تعرّض له الطفل الحلبي، بائع البسكويت، جريمة ضد الإنسانية وضد الطفولة، قبل قتله وبعده، ولكن النظر للموضوع على أنه حالة فردية يشابه تماماً ما سُوِّق له عند قتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة، لتختصر مأساة الطفل الفلسطيني على مدى أكثر من ستين عاماً بحادثة استشهاد محمد الدرة، والآن نحن نُسوّق  (البروباغاندا) ذاتها، التي تختصر معاناة أطفال سورية الدموية على مدى أكثر من ثلاث سنوات بـ "ميكروفيلم"، فيلم، أو بكفالة أسرة الطفل الشهيد، أو مائة طفل، ونتناسى المأساة الحقيقية التي لم تنته.

 

دلالات