ست حالات وفاة ونحو 200 حالة طلاق حصيلة شهر مارس/آذار الماضي لظاهرة "زواج القاصرات" في العراق، التي تكاد تكون القاتل الرابع في العراق بعد التفجيرات والحوادث المرورية وأمراض السرطان.
وانتشرت ظاهرة زواج القاصرات في العراق عقب الغزو الأميركي للبلاد في مارس من العام 2003، وبشكل واضح بعد تعطيل الحاكم المدني لقرارات صدام حسين المتعلقة بفرض عقوبة السجن المؤبد على ولي الأمر والزوج في حالات زواج القاصرات، والتي اعتبرها القانون العراقي جريمة.
وتقول منظمة حقوقية تعنى بشؤون المرأة في العراق أنها رصدت انتشار حالات زواج لفتيات دون سن الثانية عشرة في العراق تتركز معظمها في القرى بمناطق وسط وجنوب العراق.
الحكومة متورطة
وتقول مديرة منظمة طيف الحقوقية، رفل أحمد، إن: الحكومة بدلاً من أن تسهم في محاربة الظاهرة تسببت في زيادة تعقيدها، بالتصويت على مشروع قانون يجيز زواج الصغيرات ويشرعه بقانون أشبه ما يكون بالاتجار بالبشر.
وتضيف، أحمد، أن "أولياء الأمور في المناطق الريفية يتقاضون مهوراً عالية، ولعل هذا أحد أسباب إصرارهم على تزويجهن بهذا العمر"، مؤكدة أن حصيلة الشهر الماضي من ضحايا زواج القاصرات كانت وفاة ستة منهن خلال الحمل أو مرحلة الولادة، فضلاً عن طلاق نحو 200 بسبب فرار الفتاة إلى منزل والدها، أو عدم إجادتها الطبخ أو فراش الزوجية، معتبرة المشكلة خطيرة ولا تمت للدين الإسلامي بصلة.
من جانبه، يقول وزير التخطيط العراقي، علي شكري، في حديث لـ"العربي الجديد": إن العراق يحتل المرتبة الأولى بزواج القاصرات من بين دول العالم المختلفة، ويضيف أن العراق يعد الأعلى من بين الدول في تلك الظاهرة المقلقة، والتي وصلت حتى نهاية العام الماضي إلى 11 في المئة من مجموع الزيجات في العراق.
ويضيف، شكري، إن قلة الوعي والتعليم والجهل بالدين والفقر بعض أسبابها الرئيسية، لافتا إلى أن القانون الذي طرحته وزارة العدل فيه مشاكل ومخالفات يجب مراجعتها بخصوص سن الزواج وولاية الرجل وحق الاختيار.
ردة حضارية
وتقول الناشطة في المجتمع المدني، هناء إدوارد: إن عمليات مسخ المجتمع العراقي من مجتمع متحضر إلى قبلي مستمرة، ونتائجها تتحملها الحكومة وحدها.
وتضيف، إدوارد، أن القانون الجعفري (الذي أقرته الحكومة العراقية مؤخراً، ويواجه حملة انتقادات داخلية وخارجية واسعة) يعتبر مسخاً لحقوق المرأة في العراق، خصوصاً عندما أفصح عن إمكانية زواج الطفلة في عمر 9 سنوات، بينما هي تحتاج في مثل هذا العمر إلى التعليم واللعب والحنان الأبوي والحماية القانونية من كل شيء. وتبين: نحن لا نعلم حتى الآن الغاية من هذا القانون، لكنه يدل بكل حال على جهل وتخبط واضح من كاتبيه.
وأثار إقدام سيدة على قتل زوجها في مدينة الناصرية جنوب بغداد، لتزويجه ابنته البالغة من العمر 10 سنوات، ووفاتها بعد الزواج بيومين، ثم محاولته تزويج الثانية للشخص نفسه جدلاً كبيراً في الشارع العراقي.
ويقول القاضي، سلام حسين الطائي، من محكمة أحوال بغداد: نحن أمام مشكلة كبيرة، فهذه السيدة حاولت حماية أطفالها من والدهم الذي زوج الأول وماتت ويريد تزويج الثانية من الشخص نفسه مقابل المال أيضاً، قتله، وهي اليوم تصر على أن فعلتها كانت دفاعاً عن ابنتها. مبينا أن معالجة مثل هذه الحالات يجب أن تكون بتشريع قانوني يصدر من البرلمان سريعاً.
ووصف، الطائي، زواج القاصرات بأنه جريمة في حد ذاته، يجب الرجوع إلى القانون السابق في العراق سريعاً للسيطرة عليها.
وصدرت جملة قوانين في العراق في شباط 1989 تضمنت عقوبات عدة، كان أبرزها تجريم زواج القاصرات وإحالة المتحرشين لفظياً إلى مستشفيات الأمراض العقلية وحبسهم هناك مدة لا تقل عن ستة أشهر، فيما تنفذ عقوبة الإعدام على جرائم الاغتصاب، والسجن لمدة لا تقل عن 10 سنوات على التحرش الجسدي.
"الجعفري" متهماً
وتقول الكاتبة والروائية العراقية، لطفية الدليمي: إن مشروع قانون الأحوال الجعفري يبيح للزوج أن يتعامل مع زوجته كما لو كانت بغياً. مستندة في تشبيهها هذا إلى المادة 126 من
مشروع القانون الذي ينص على "عدم وجوب النفقة من الزوج إذا كانت زوجته صغيرة أو كبيرة غير قادر الاستمتاع بها"، أي أن النفقة تكون مقابل الاستمتاع بالزوجة، حسب تفسير، الدليمي، التي أضافت أن: المادة 121 من مشروع القانون المقترح ثبتت حق الزوج في "الاستمتاع بها (زوجته) في أي وقت يشاء وأن عليها ألا تخرج من البيت إلا بإذنه"، وهو ما يجعل زواج الصغيرات أمراً خطيراً وبشعاً في العراق اليوم.
وعلى الرغم من تأجيل التصويت على القانون داخل البرلمان، وتأجيله إلى الدورة البرلمانية المقبلة، إلا أن منظمات وناشطين في مجال حقوق الإنسان قدموا مذكرة إلى مكتب الامم المتحدة ببغداد يطالبون فيها بالضغط على الحكومة لتشريع قانون يحظر زواج الصغيرات ويجرمها.
ويقول مناف أحمد، وهو أحد الناشطين في حقوق الإنسان في بغداد، "نأمل أن ننجح في ذلك، لأن مشكلة زواج الصغيرات تتسع في العراق وبمباركة الحكومة التي تغلب عليها الصبغة الدينية الرجعية"، حسب وصفه، وخلال ذلك نحن نقوم بحملة دعائية في القرى والأرياف تشرح حرمة ذلك، والمآسي التي يخلفها على الفتاة، ونأمل أن نحقق نجاحاً ولو بنسبة قليلة.