"القانون الجعفري" يبدّد أحلام العراقيات في التحرّر

09 مارس 2014
+ الخط -

"يجوز لوليّ الأمر تزويج الفتاة في سن التاسعة، وحرمانها من التعليم، ولا يشترط موافقة الزوجة الأولى على زواج رجلها بأخرى، ويجوز له هجرها إذا كانت مريضة"، تلك البنود المجحفة هي النصوص الأبرز في قانون عراقي جديد يجري حالياً إمراره تحت اسم: "القانون الجعفري"، نسبة إلى المذهب الشيعي المعروف.

والأكثر إثارة في القانون، المقدّم من قبل وزارة العدل والخاص بأبناء الطائفة الشيعية في العراق، أنه صدر بالتزامن مع احتفال العالم باليوم العالمي للمرأة. ويستعدّ البرلمان العراقي حالياً للتصويت على القانون الذي وصف بأنه "مجحف" بحق المرأة العراقية.

وينص قانون الأحوال الجعفري، المتوقع أن يصوّت عليه البرلمان هذا الأسبوع، على أن الفقه الجعفري في الشريعة الإسلامية هو الحاكم للعراقيين الشيعة في الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق والمواريث والتبني.

ويتضمن القانون عدداً من البنود التي أثارت حفيظة منظمات حقوقية دولية ومحلية تُعنى بحقوق النساء، مثل: تخفيض سن الزواج للنساء إلى تسع سنوات والذكور إلى 15 سنة، فضلاً عن منع الزواج من غير المسلمين، ومنح الرجال الحق في منع الزوجات من ترك منازلهن من دون إذن، وتقييد حق المرأة في الحصول على الميراث الشرعي من الأب أو الأم أو الزوج أو الأخ أو الأخت وغيرهم.

وقالت الناشطة النسوية ومديرة منظمة السلام لحقوق الإنسان، الدكتورة أسماء محمد طالب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن القانون سيئ للغاية ويمتهن المرأة والفتاة ويجعل الجيل القادم من النساء يكرهن أنفسهن.

ووصفت مَن وضع القانون بأنه "متطرّف ولن نسمح له أن يتحكّم بمصائرنا". وتساءلت: "لماذا يجيز القانون زواج ذات التسع سنوات وتجريدها من طفولتها وحقوقها بالميراث والحياة والاستقلالية؟"، مستنكرة وجود فقرات في القانون تروّج لاعتبار عقد الزواج عقد نكاح أو تمتُّع، "وكأن المرأة مجرد متاع والزواج لا غاية له سوى النكاح والجنس".

تضارب حكومي

ووصفت وزيرة المرأة العراقية، ابتهال الزيدي، القانون بالمجحف، داعية المراجع الدينية للتدخل في إصلاح الخلل والظلم الواقع على المرأة في العراق، موضحة، لـ"العربي الجديد"، أن وزارة المرأة سجلت اعتراضاً قانونياً رسمياً لإيقاف إمرار القانون على وضعه الحالي، وخاصة أنه وضع المرأة في زاوية ضيقة وجعلها محل تجاذب ومكاسب سياسية وطائفية مرفوضة "القانون يحتاج إلى مراجعة كبيرة وشاملة خاصة التي تتعلق بالزواج والحرية والميراث"، على حد قولها.

فيما دافع وزير العدل العراقي، حسن الشمري، عن القانون واصفاً إياه بأنه صمام أمان للأسرة العراقية الشيعية، موضحاً، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه شخصياً كان يتوقع هذه الاعتراضات "لكن الحقيقة أن فريق خبراء شرعيين من المذهب الشيعي أشرفوا على إعداد القانون كاملاً وتمت مراجعته، ونحن نراها الأنسب والأفضل للأسرة والمجتمع العراقي الشيعي، وخاصة أن جميع ما أثير حول القانون غير صحيح، لأنه بالأساس صيانة للمرأة وليس تقييد أو ظلم لها"، على حد تعبيره.

ويتوافق قانون الأحوال العراقي، المعتمد منذ العهد الملكي والسائد حالياً، مع المذهب السني والشيعي وأبناء الديانة المسيحية والصابئية، ويضم 188 فقرة يمنع من خلالها زواج الفتاة أو الشاب دون سن 18 عام ويمنع زواج الرجل من أخرى ثانية دون موافقة الأولى كما يعطي المرأة حرية السفر والخروج.

تكريس للطائفية

من جانبه، قال عضو البرلمان العراقي، محمد الجميلي، إن القانون يكرّس للطائفية في العراق ويعزل العراقيين ويصنّفهم إلى طبقات وقوميات ومذاهب، مشيراً إلى أن "وجود قانون خاص بالشيعة، مع ما فيه من سلبيات، أمر خطير على وحدة العراق، ومصادقة مجلس الوزراء عليه وإرساله إلى البرلمان يأتي ضمن سياسية حكومة المالكي خلق أزمات جديدة نحن في غنى عنها"، على حد قوله.

وتوقع الجميلي ألا يجمع القانون نصاب الثلثين لإقراره في البرلمان خاصة مع الموجة الشعبية الغاضبة التي قابلته خلال الأيام الماضية.

ويؤكد عبد الله الطائي، أستاذ الاجتماع في جامعة بغداد، أن القانون يتعارض مع اتفاقيات دولية وقّعها العراق سابقاً وألزم بها نفسه، كاتفاقية حقوق الطفل والمرأة وميثاق الأمم المتحدة. وأضاف: "العراق بات يتقدّم إلى الوراء في مجال الحريات الشخصية وحقوق الإنسان بدلاً من أن نتجه إلى العلمانية التي هي دواء ناجع لكل مشاكلنا الحالية".

انتقادات دولية

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" انتقدت، في تقرير نشرته في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، قانون الأحوال الشخصية الجعفري، مؤكدة أن جماعات حقوقية أعربت عن أن التشريع المقترح لقانون حول الأحوال الشخصية الجعفرية يغذي الطائفية، لأنه في حال تبنيه سيميّز بين الطوائف، إذ ستصبح كل طائفة محكومة بقواعد مختلفة في الأحوال الشخصية.

فيما أعربت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، السبت، عن قلقها البالغ من تبني العراق قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، مؤكدة أنه سيساعد على تفتيت الهوية الوطنية ويعرّض وحدة التشريع الوطني للخطر، مطالبة البرلمان بمراعاة القوانين الدولية التي تحمي حقوق المرأة في حال تشريع هذا النوع من القوانين.

وشهدت بغداد تظاهرة نسوية شاركت فيها العشرات من الناشطات في ساحة الفردوس، وسط العاصمة، احتجاجاً على إقرار مجلس الوزراء قانون الأحوال الشخصية الجعفرية وإحالته إلى البرلمان للمصادقة عليه.

وقالت الناشطة النسوية لميس خالد: "نرتدي السواد حداداً على حلم العراق العلماني المنفتح على كل الطوائف والأديان حيث لا سيادة إلا للقانون المدني. إن يوم المرأة العالمي جاء في العراق مختلفاً، حيث يستعدّ البرلمان، ذو الغالبية الدينية، إلى تشريع قانون يجعلنا سلعاً لا قيمة لها".

المساهمون