أخيراً.. عرَفَ الموريتانيّون التظاهر

31 ديسمبر 2014
الموريتانيون يبحثون باستمرار عن طريقة جديدة للاحتجاج (خديجة الطيب)
+ الخط -
باتت الاحتجاجات والإضرابات خياراً أساسياً في حياة الموريتانيين للتعبير عن آرائهم، وعادة ما تختلف أشكالها. على سبيل المثال، تحوّلت احتجاجات العاطلين من العمل من الخريجين إلى عروض فنية. فهؤلاء يسعون إلى ابتكار أساليب جديدة لنقل همومهم إلى المعنيين. فإذا كان البعض يعمدون إلى حمل قناني وتعبئتها بالبنزين مهددين بإحراق أنفسهم أو عرقلة السير أو احتلال المؤسسات العامة ومقرات الأحزاب، فإن آخرين يلجأون إلى أساليب أخرى، على غرار رفع لافتات كتبت عليها مواويل أو أغنيات.

أطول مسيرة
نظّم عمال أزويرات مسيرة غير مسبوقة قطعوا خلالها مسافة 710 كيلومترات سيراً على الأقدام، احتجاجاً على إهمال مطالبهم وطردهم من العمل. وبعد الضجة الواسعة التي خلفتها المسيرة وتعاطف المواطنين مع العمال الذين وصلوا إلى العاصمة نواكشوط، تدخلت الحكومة لإنهاء الأزمة من خلال الضغط على الشركة الموريتانية وإعادة نحو 260 شخصاً إلى العمل، بالإضافة إلى صرف رواتبهم خلال أشهر الإضراب.

في السياق، يؤكد خبراء قانونيّون أن هذه المسيرة فتحت عيون الجميع على بعض المشاكل في مدونة الشغل الموريتانية، وأن وزارة الوظيفة العامة تعكف على تقديم مشروع قانون جديد لإحداث تغييرات في المدونة بشكل يحقق العدالة الاجتماعية للعمال ويحمي حقوقهم ويراعي ظروف عملهم ويلزم المفتشين بالتعاون مع النقابات ومراقبة ظروف العمال ومدى احترام بنود عقود العمل.

تعديل قوانين
وقد ساهمت احتجاجات أهالي السجناء في إلغاء عقوبة الإكراه البدني والإفراج عن جميع المعتقلين. وكان سجناء الإكراه البدني قد أضربوا عن الطعام لفترات طويلة، في حين أطلقت مجموعة من الحقوقيين وأهالي السجناء مبادرة الكرامة التي طالبت بالقضاء على عقوبة الإكراه البدني وإطلاق سراح المعتقلين. ومع استمرار الاحتجاجات أمام السجن، استجابت السلطات للمبادرة، بخاصة في المعاملات المدنية والتجارية في انتظار العمل على إلغاء العقوبة من القوانين.

وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة الكرامة تبنت هذه القضية، ونظمت ندوات ونقاشات قانونية ووقفات احتجاجية لإقناع السلطات بإلغاء هذه العقوبة.

أتت الاحتجاجات على نقص المياه، الأشهر في البلاد والأكثر تنظيماً، إذ إن مناطق عدة كانت تعاني من جراء نقص في إمدادات المياه أو انعدامه أو تلوثه. في هذا الإطار، يقول الطالب عبد الله ولد أحمد الطالب (31 عاماً) وهو ناشط سياسي، إن "الاحتجاجات بسبب نقص المياه كانت تنظم بوتيرة يومية من قبل جمعيات أو سكان الحي أو أحزاب سياسية وغيرهم". وهو يرى أن "هذه الاحتجاجات تعطي نتائج إيجابية في كثير من الأحيان، حتى لو كانت الحلول المطروحة مؤقتة".

يضيف الطالب أن "طرق الاحتجاج تنوعت للفت النظر وإحداث ضجة، وبالتالي تلبية المطالب". ويتابع أن "الموريتانيّين ابتدعوا طرقاً مختلفة للاحتجاج. فيختارون أحياناً تنظيم مسيرات طويلة أو الاعتصام أمام القصر الرئاسي أو التهديد بحرق أنفسهم"، لافتاً إلى أن البعض يحرصون على "رفع شعارات أو أبيات الشعر. وفي كثير من الأحيان، يختار آخرون الاحتجاج من دون رفع أي شعارات".

في السياق، يقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد عبدي إن "أشكال الاحتجاج تتنوّع في موريتانيا، ودائماً ما نشهد تنظيم احتجاجات للمطالبة بالحقوق. مع الإشارة إلى أن الشعب الموريتاني لم يعرف ثقافة الاحتجاج إلا حديثاً". يضيف أن "النقابات والجمعيات والمجتمع المدني كانت تحرص على ممارسة حقها في الإضراب والاحتجاج رفضاً لغلاء الأسعار أو غير ذلك. لكن الاحتجاجات التي ينظمها المواطنون، عادة ما يكون تأثيرها أكبر لأنها تعبّر عن حاجة ملحة وبسيطة في الوقت نفسه". يتابع أن "الموريتانيين لم ينسوا الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد في عام 1995 بسبب ارتفاع سعر الخبز، بالإضافة إلى تظاهرات أزويرات في عام 2008، على خلفيّة إعلان الحكومة عن زيادة كبيرة في أسعار المواد الأساسية. لكن أشهر الاحتجاجات أتت في عام 2011، على خلفية التأثر بالربيع العربي".

ويشير عبدي إلى أن "المحتجين يبحثون باستمرار عن طريقة جديدة للاحتجاج، بخاصة بعدما أصبح الأمر مألوفاً"، لافتاً إلى أن الموريتانيين "يلجأون إلى الابتكار أحياناً في احتجاجاتهم. مثلاً، يعمدون إلى عرقلة السير أو كتابة شعارات لافتة أو احتلال المقرات العامة ومقرات الأحزاب، وغيرها من الأساليب".