"العقول" تهربُ من إيران

11 أكتوبر 2014
يحتاجُ الطلاب إلى من يُقدّر كفاءاتهم (كافه كاظمي/Getty)
+ الخط -

لطالما أرّق ارتفاع معدلات الهجرة المسؤولين في إيران. يزدادُ الأمر سوءاً مع ارتفاع أعداد المهاجرين من "النخبة"، بحسب الإحصاءات الرسمية. الحديث عن النخبة يعني أولئك الحاصلين على شهادات عليا، وأصحاب الخبرات في مجالات مختلفة علمية واقتصادية وثقافية، إضافة إلى المتفوقين.

أخيراً، نشرت صحيفة "جمهوري إسلامي" تقريراً يدق ناقوس الخطر، يشير إلى هجرة 180 ألف إيراني سنوياً من النخبة، مما يعني خسارة ملايين الدولارات لصالح دول أخرى تستفيد من هذه القدرات والخبرات. وعام 2009، كان تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، قارن عدد المهاجرين من النخبة في 90 دولة، أظهر أن إيران تحتلّ المرتبة الأولى في هذا المجال. وأشار إلى أنه "يسافر من إيران يومياً ثلاثة أشخاص حائزين على شهادة دكتوراه، و15 على شهادة الماجستير، والعشرات من حملة شهادة البكالوريوس".

كما أن مركز الإحصاء الرسمي نقل أيضاً أنه "من بين 125 طالبا إيرانيا شاركوا في مسابقات الأولمبياد العلمية الدولية خلال السنوات الثلاث الماضية، يدرس تسعون منهم الآن في جامعات أميركية وكندية". فيما تحدثت إحصائية أخرى عن أنه "خلال 14 عاماً، هناك 62 في المائة من الإيرانيين الذين حازوا جوائز في مسابقات إقليمية ودولية يعيشون حالياً خارج إيران".

أرقام دفعت وسائل الإعلام الإيرانية إلى الحديث عن "ظاهرة هروب العقول". وبدأت هجرة النخبة من إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتفاقمت إثر الأوضاع المتوترة التي لحقت بالبلاد منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وسلسلة الاغتيالات التي أعقبتها، فضلاً عن ثماني سنوات من حرب شعواء بين إيران والعراق.  

وتفاقمت الأزمة مع مرور الوقت بسبب العقوبات الغربية على طهران، مما أدى إلى تردي الأوضاع الاجتماعية، وتسبب لاحقاً في أزمة بطالة جعلت الأساتذة الجامعيين والشباب من أصحاب القدرات والمواهب يفكرون في ترك البلاد متى سنحت لهم الفرصة بذلك.


ومع انتهاء فترة الامتحانات في إيران، يبحث الطلاب في الإعلانات التي تتيح لهم الحصول على مواعيد في السفارات الأجنبية تمهيداً للسفر. ولاحظت الطواقم التعليمية في الجامعات ازدياد هذه الظاهرة. ويقول أحد أعضاء الهيئة العلمية في جامعة أمير كبير للتخصصات الهندسية والتقنية في طهران، حميد رضا رمضي، إن "عدداً كبيراً من الطلاب الذين يرتادون هذه الجامعة يحاولون الحصول على منح تعليمية في الخارج. يطلبون إفادات من أساتذتهم لإرسالها لجامعات أخرى". يضيف: "يجب التنبه لهذا الأمر الذي سيكون له تبعات سلبية للغاية في المستقبل". والحل برأيه يتمثل في محاولة جذب هذه العقول.

بدوره، يقول رئيس الوحدة التعليمية في جامعة طهران مهدي قمصري إنه "خلال العام الماضي، حصل 5000 طالب درسوا في الجامعة على إفادات وشهادات من أساتذة وأكاديميين معتمدين، تم تصديقها لتقدم بشكل رسمي إلى جامعات عالمية معروفة". ويرى بعض المتخصصين في علم الاجتماع أنه "في ظل الاستقرار السياسي في البلاد، لا يوجد ما يبرر هذه الأعداد. ورغم المشاكل الاجتماعية الفعلية، إلا أن الأمر يتطلب برامج حكومية فاعلة رغم صعوبة طرح حلول عملية. لكن على الأقل، يجب التحكم في هذه الظاهرة".

ويشعر بعض طلاب الجامعات من أصحاب المعدلات العالية بعدم تقدير كفاءاتهم في بلادهم، في الوقت الذي يستطيعون فيه إكمال دراستهم والحصول على شهادات عليا في بلدان كأميركا وكندا، وضمان مستقبلهم، كما يقولون. فيما يرى آخرون أن "السبب لا يتعلق بمستوى التعليم في إيران، فالجامعات جيدة نسبياً، وبعضها يحتل مراتب عالمية متقدمة كجامعة صنعتي شريف. إلا أن التخوف يكمن في عدم إيجاد فرص عمل مناسبة، وهو الشبح الذي يرافقهم باستمرار".

وكان وزير التعليم فرجي دانا لفت في وقت سابق إلى خطورة هذه المشكلة قبل عزله من قبل البرلمان في شهر أغسطس/آب الماضي. وأنشأت إيران مؤسسة النخبة في محاولة لإيجاد حل لهذه المشكلة. تُعنى هذه المؤسسة بالتواصل مع المغتربين المحسوبين على "النخبة"، ممن يعملون ويقطنون خارج إيران، بهدف تأمين فرص عمل لهم داخل البلاد. وقال مدير الشؤون الثقافية في المؤسسة حسين حسيني إن "هذه الخطوة شبيهة بما قامت به الصين في وقت سابق لتسترجع عددا كبيرا من مواطنيها الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة".

ويرى متخصصون أن "تحقيق هدف كهذا يحتاج إلى العمل على حل الأزمات الاجتماعية، ولا سيما تلك المتعلقة بإيجاد فرص عمل، وتحسين الرواتب".
دلالات