تخترق جرائم إطلاق النار الحيّز العام والخاص في جميع البلدات العربية والمدن الساحلية في الداخل الفلسطيني، إذ سجلت مدينتا اللد والرملة منذ بداية العام الحالي 2023 مقتل 18 شخصاً نتيجة لأعمال العنف والجريمة، وهي الحصيلة العليا للقتلى بين المدن والبلدات العربية نسبة لعدد سكانها العرب البالغ 55 ألف عربي، بحسب نشطاء حقوقيين من مدينة اللد.
وشهدت مدينة الرملة، مساء أمس الأربعاء، جريمة إطلاق نار بحي الجواريش، تسببت في مقتل الشاب عزمي الشمالي (29 عاماً) وإصابة شخصين بجراح خطيرة. كما قتل أربعة أشخاص بإطلاق نار في الداخل الفلسطيني، وعثر على جثتي الشقيقين يحيى وعمر السعدي (28 و23 عاماً) داخل سيارة تحت كروم الزيتون قرب قرية أبو أسنان. وعاشت قرية الفرديس، مساء أمس الأربعاء، على وقع جريمة إطلاق نار ومقتل الفتى عمر مرعي (17 عاماً) وهو على متن دراجة هوائية.
الناشط السياسي غسان منير تحدّث عن سبب انتشار جرائم إطلاق النار والعنف في الداخل الفلسطيني، قائلاً لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنه "منذ هبة أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000، ثم هبة الكرامة في 2021، تحاول الشرطة الإسرائيلية ضرب المجتمع بالكامل ومحاولة تفتيته عن طريق نشر السلاح غير المرخص، بحيث نرى أشخاصاً على دراجات هوائية يطلقون النار دون حسيب ولا رقيب وسط حالة من الانفلات التام".
وأضاف منير: "للأسف الشديد لا توجد أي جهة تنتصر لعائلات الضحايا، ما يجبرها على حمل السلاح للدفاع عن أفرادها، في ظل تقاعس الشرطة الإسرائيلية التي تقوم بإحصاء الرصاصات وتعود أدراجها بعد كل جريمة. في المقابل، هناك عائلات لا تتجول في الشارع العام نتيجة الخوف من القتل بالرصاص والعنف، فيما فضل آخرون الهروب إلى خارج البلاد".
وتابع: "هذا ما يبحثون عنه، أن يبثوا الرعب واليأس والإحباط في قلوب العرب، ويدفعوهم إلى الهجرة، المهم هو إفراغ اللد والرملة من العرب"، مشيراً إلى أنّ "الشرطة اتهمت المخابرات الإسرائيلية مراراً بأنّ عملاءها هم الذين يطلقون الرصاص ويوزعون السلاح. اللد والرملة مليئتان بالعملاء منذ الانتفاضة الثانية، كما أنّ الشرطة تعترف بأنّ قسماً منهم ما زال يعمل لديها وهم مسلحون، وقسم ثان سائقون ينقلون عمال الضفة الغربية للعمل في الداخل، وآخرون يعملون داخل السجون".
كما تطرّق الناشط السياسي أيضاً لما وصفه بـ"تركيع المجتمع" بواسطة قروض السوق السوداء في كل من اللد والرملة، و"الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، وبالتالي ومع الفجوات الاقتصادية الهائلة، يضطر المواطن العربي إلى أن يهاجر أو أن يجد حلاً بكل الطرق المتاحة، منها اللجوء للعمل في الإجرام، وأخذ القروض من السوق السوداء، وربما حتى أن يكون عضواً في عصابة".
ولفت إلى أنّ "92% من الملفات الجنائية لم تحلّ من طرف الشرطة الإسرائيلية". وتحدث عن الفئات التي تكون صيداً سهلاً للعصابات، قائلاً: "مثلاً طالب أنهى صفه الثاني عشر وكان تحصيله العلمي ضعيفاً، أي مستقبل ينتظره؟ والده مقتول أو شقيقه مسجون، ولا يستطيع أن يتعلم حرفة، ولا يوجد من يوجهه للمستقبل، مثل هذا يصبح فريسة سهلة لاستقطابه داخل عصابات الإجرام".
وترتفع الأصوات باستمرار في الداخل الفلسطيني احتجاجاً على استفحال الجريمة والعنف وتقاعس شرطة الاحتلال الإسرائيلي عن منع وقوع المزيد من الضحايا.
رسالة من أسير "نفق الحرية"
وفي سياق متصل، وجّه الأسير يعقوب القادري المعروف بـ"غوادرة"، وهو من بين المشاركين في عملية "نفق الحرية" في 2021 (تمكّن خلالها 6 أسرى من الهرب من سجن جلبوع)، رسالة اليوم الخميس، من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي حول تفشي الجريمة والقتل في الداخل الفلسطيني بعنوان "بأي ذنب قتلتموني ؟!".
وجاء في الرسالة: "يا أبناء شعبنا العظيم. أيها القابضون على جمرتي الدين والوطن. يا فرسان الإقدام والتحدي. إخوتي وأحبابي في الداخل المحتل عام 48 أكتب لكم هذه الرسالة وأنا أعيش على نقيضين، الأول مدى حبي واعتزازي وفخري بكم وأنتم تعلمون مدى الشوق الكبير الذي أكنه لكم، أما الثاني فهو الذي يدمي قلبي على الأحداث التي تجري منذ أعوام وسيل الدم المسفوح في شوارع وقرى ومدن الداخل المحتل".
وأكد الأسير في رسالته أنّ "القتل لا طائل منه إلا شق الوحدة الوطنية، وإشعال نار الفتنة التي يقف خلفها أعداؤنا في فلسطين وزمرة المارقين والمتعاونين معهم"، مطالباً بوقف القتل وتسخير كل الإمكانيات والطاقات "لهذا العدو الصهيوني الغاشم، فتضحياتكم وبطولاتكم يشهد لها القاصي والداني، لذلك أيها الأحبة أناشدكم بالله والرحم أن تكونوا على قدر المسؤولية وأن تبقوا مشاعل للأجيال القادمة، وما أنا إلا جزء منكم وأنتم جزء مني".