مستوصفات لبنان تتحوّل إلى دكاكين صحيّة

05 يناير 2015
أنشئت بعض المستوصفات لأهداف سياسيّة انتخابيّة(جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تُصنّف المستوصفات من مراكز الرعاية الصحيّة الأوليّة. لكنها في لبنان أشبه بـ"دكاكين" للصحّة غير مراقبة، 90% منها لا تستوفي الشروط المطلوبة لتأمين الخدمات الصحيّة اللازمة والمناسبة للمريض. إلى ذلك، أنشئت بعض تلك المستوصفات لأهداف سياسيّة انتخابيّة. وعليه، رحنا نشهد بازاراً صحيّاً-سياسيّاً، فيه يدفع المريض وحده الثمن.

في ظل الأحوال المعيشيّة الصعبة، كثرٌ هم قاصدو المستوصفات. جوزف مخول واحد منهم. يقول: "نأتي إلى هنا كي نوفّر ثمن أدوية القلب والضغط، فثمنها مرتفع. لكنهم يبيعونها لنا مع حسم 10%. كيف يمكن أن يعرّف هذا المستوصف عن نفسه بأنه لا يبتغي الربح ويبيعنا الدواء؟".

من جهتها، تسأل صولانج عيسى، وهي أمّ لأربعة أطفال: "كيف أستطيع معالجة أولادي الأربعة في المستوصف، إذا كانت معاينة طفل واحد تكلف عشرة آلاف ليرة لبنانيّة (نحو سبعة دولارات) من دون احتساب كلفة الأدوية؟". وتقول: "نحن بالكاد نأكل ونعيش نتيجة الأزمة الاقتصاديّة، أضف إلى ذلك الشعور بقلة الاحترام للفقير، كأننا نشحذ".

وتوضح ريما (اسم مستعار) وهي عاملة في أحد المستوصفات: "نعمل ما بوسعنا لمساعدة الناس المحتاجين، ضمن الإمكانيات المتوافرة لدينا. وعندما نتقاضى بدلاً ماليّاً بسيطاً، يكون ذلك من أجل الاستمراريّة، خصوصاً وأنه في الفترة الأخيرة وبفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية، تزايد إقبال المرضى. لم يبقَ لدى الناس مال يخصصونه لطبابتهم".
وتجدر الإشارة إلى أن الضغط على هذه المستوصفات ازداد، مع تزايد أعداد النازحين السوريّين في البلد.

وتتحدّث الاختصاصيّة في الصيدلة الدكتورة، ناديا جلول، لـ "العربي الجديد" عن وضع الأدوية في المستوصفات. فتتوقف عند نقاط عدّة، قائلة: "أهم نقطة نود إلقاء الضوء عليها، هي ضرورة احترام المريض الذي يتعالج في المستوصف. فكم من مرّة نرى مريضاً يشعر بالإهانة نتيجة سوء المعاملة في بعض المستوصفات، فقط لأنه يتلقى علاجاً رخيصاً".

تضيف: "صحيح أن برنامج جمعيّة الشبان المسيحيّين يقوم بتوزيع الأدوية المزمنة على المستوصفات والمراكز الصحيّة بالتعاون مع وزارة الصحة، إلا أن عمليّة تسليمه للمريض تبقى مكلفة، في حال كان مضطراً إلى تناول أكثر من صنف واحد". وتشير إلى أنه "لو كانت فعلاً لا تبتغي الربح، فهي لم تكن لتتقاضى أي ثمن ولو بسيطاً لقاء ما تؤمنه للمرضى".

إلى ذلك، توضح جلول أنهم لاحظوا "غياب الصيادلة المشرفين على الأدوية في معظم المستوصفات. وثمّة شك في أن تكون هذه الأدوية غير مراقبة ومنتهية الصلاحية وتباع للمرضى، خصوصاً في ما يتعلق بحقن الأنسولين التي تحتاج إلى عناية خصوصاً حفظها في البرادات. مع الإشارة إلى أن أي تلاعب في الكهرباء يقوّض صلاحيتها".

وترى جلول أنه "من المعيب أن نجد مستوصفات تشتري الأدوية وتبيعها مع حسم، في مضاربة على الصيدليات، أي أن تعتبر مريضها زبوناً. ومن المعيب، أيضاً، أن يصف بعض الأطباء الذين يعاينون في المستوصفات لمرضاهم أدوية باهظة الثمن". وتشدّد على أن "تأمين الأدوية المزمنة في تلك المراكز شرط أساسي، على أن تكون مستوفية للشروط الصحيّة وتعدّ ملفاً خاصاً لكل مريض يزورها".

من جهته، يعبّر نقيب الصيادلة في لبنان ربيع حسونة عن امتعاضه واستيائه. فيقول لـ"العربي الجديد" إن "ثمّة قراراً أصدرته وزارة الصحة قبل أشهر يقضي بضرورة تطبيق قانون مزوالة مهنة الصيدلة في المستوصفات، أي أنه يمنع إعطاء أي دواء للمريض من دون إشراف صيدلي. لكن سؤالاً يُطرح: هل طبّق؟". يضيف: "90% من المستوصفات العاملة في لبنان غير مراقبة. المطلوب هو تأمين سلامة الدواء قبل إعطائه المريض في المستوصفات، تجنباً للتداعيات الصحيّة".

يتابع حسونة: "وضعنا الإصبع على الجرح في انتظار تفعيل المراقبة على المستوصفات والمراكز الصحيّة من وزارة الصحة حفاظاً على سلامة المرضى".

بدوره، يؤكّد المستشار الصحي لوزير الصحة العامة، وائل أبو فاعور، الدكتور بهيج عربيد لـ"العربي الجديد"، أن "الرقابة على المستوصفات ضعيفة نوعاً ما، إذ إنها في معظمها تتبع إما لجهات سياسيّة أو دينيّة أو بلديات. أما المستوصفات والمراكز الصحيّة التابعة لوزراة الصحة في إطار برنامج الهيئة الوطنية للرعاية الصحيّة، فهي مراقبة سواء أكان ذلك في تأمين اللقاحات أو الأدوية المزمنة".

ويتابع عربيد، إن "25% من المستوصفات تابعة لوزارة الصحة بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة و75% منها للقطاع الأهلي. لذا فالمطلوب حسم موضوع المستوصفات عبر إشراك جميع المعنيّين، خصوصاً وأن عمل الأطباء فيها لا يخضع للرقابة".
المساهمون