يوم الأوبئة العالمي: دعوة إلى التأهب وعدم تكرار أخطاء كورونا

27 ديسمبر 2023
لا بدّ من التأهب والتعاون لمواجهة الأوبئة المحتملة في المستقبل (جون منتشيلو/ أسوشييتد برس)
+ الخط -

مذ ظهر وباء كورونا وتحوّل إلى جائحة أرّقت العالم، وسط ثغرات كبيرة في التعامل مع الأزمة، راحت الجهات المعنيّة، ولا سيّما منظمة الصحة العالمية والمراكز الوطنية المعنية بالصحة، تستخلص العبر لمواجهة الأوبئة المحتملة في المستقبل. ويبدو اليوم العالمي للتأهب للأوبئة، الذي يحلّ في 27 ديسمبر/ كانون الأول من كلّ عام، فرصة مناسبة للإحاطة بهذه القضية.

قبل أربعة أعوام، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، ظهر فيروس غامض في الصين قبل أن يجتاز الحدود ويعبر المحيطات ويؤرّق العالم كله في خلال بضعة أسابيع، لا بل أيام. وكانت بكين قد أعلمت مكتب منظمة الصحة العالمية لديها بأنّ ثمّة إصابات بالتهاب رئويّ من دون أسباب معروفة في مدينة ووهان الواقعة بإقليم هوبي وسط البلاد، وذلك في 31 من شهر ديسمبر نفسه. وبعد أسبوع، في السابع من يناير/ كانون الثاني 2020، تمكّنت السلطات الصحية الصينية من تحديد سلالة جديدة من فيروس كورونا.

وبعدما راح فيروس كورونا الجديد أو سارس-كوف-2 يتفشّى مسبّباً مرض كوفيد-19، أعلنته منظمة الصحة العالمية في 30 يناير 2020 "حالة طوارئ صحية تثير قلقاً عالمياً". وأوضح المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أنّ السبب الرئيسي لهذا الإعلان ليس ما يحدث في الصين، بل ما يحدث في بلدان أخرى. وفي 11 مارس/ آذار من العام نفسه، أُعلنت "جائحة كورونا"، بعدما زادت الإصابات في خارج الصين بـ13ضعفاً، وزاد عدد البلدان المتضرّرة ثلاثة أضعاف.

واليوم، بعد أربعة أعوام، في هذه المناسبة التي تركّز على الأوبئة وكيفية تطويقها، تستعيد الأمم المتحدة إفادة سابقة لأمينها العام أنطونيو غوتيريس، شدّد في خلالها على أنّ "جائحة كورونا مأساة إنسانية بحقّ"، لكنّه رأى في المقابل أنّ "هذه المأساة خلقت كذلك فرصةً لا تُتاح للأجيال إلا في القليل النادر. فرصة لمعاودة البناء من أجل إيجاد عالم أكثر مساواة واستدامة". وقد بيّن غوتيريس، في إفادته نفسها، أنّ "مساعي التصدّي لهذه الجائحة والاستجابة لحالة السخط واسعة الانتشار التي سبقتها، لا بدّ من أن تقوما على عقد اجتماعي جديد وصفقة عالمية جديدة يتيحان فرصاً متساوية للجميع ويحترمان حقوقهم وحرياتهم".

الأوبئة أكثر من أزمة صحية

ولأنّ الأوبئة تمثّل أكثر من أزمة صحية، تماماً كما وباء كورونا العالمي الذي شكّل أزمة اقتصادية وإنسانية وأمنية وأزمة لحقوق الإنسان، فإنّ الإحاطة بها أمر ضروري. وأزمة كورونا الوبائية سلّطت الضوء على "هشاشة شديدة وعدم مساواة في داخل الدول وفي ما بينها"، وبالتالي فإنّ النهوض يتطلّب نهجاً ينخرط فيه "المجتمع بأسره والحكومة بأكملها والعالم مدفوعاً بالتعاطف والتضامن".

ويوضح القائمون على اليوم العالمي للتأهب للأوبئة أنّ الآثار المدمّرة للأمراض المعدية والأوبئة الرئيسية على الأرواح البشرية، من شأنها أن تلحق الضرر بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل. كذلك فإنّ الأزمات الصحية العالمية تهدّد بإثقال كاهل النظم الصحية المنهكة بالفعل، مثلما كانت في خلال أزمة كورونا، وبتعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وإلحاق ضرر غير متناسب بسبل عيش الناس، بمن فيهم النساء والأطفال، وباقتصادات أشدّ البلدان فقراً وضعفاً.

من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى إقامة نظم صحية قوية تكون قادرة على الصمود، وتشمل الفئات الضعيفة أو تلك التي تعيش في ظروف هشّة، بالإضافة إلى قدرتها على تنفيذ اللوائح الصحية الدولية بطريقة فعّالة.

وتحذّر الأمم المتحدة من أنّ الأوبئة في المستقبل قد تتجاوز، في ظلّ غياب الاهتمام الدولي، حالات التفشي السابقة والتي عهدناها لجهة الشدّة والخطورة، فتشدّد على الأهمية القصوى التي تولى للتوعية. ويأتي ذلك من خلال تبادل المعلومات والمعارف العلمية وأفضل الممارسات، والتعليم الجيد، وبرامج الدعوة بشأن الأوبئة على الصعد المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية، بصفتها تدابير فعّالة للوقاية من الأوبئة والتصدّي لها.

مواجهة الأوبئة من خلال الوقاية والتعاون 

كذلك من المهمّ تعزيز الوقاية من الأوبئة من خلال تطبيق الدروس المستفادة من أزمة كورونا الوبائية، لجهة إدارة الوباء وكيفية منع الخدمات الأساسية من التوقّف ورفع مستوى التأهب من أجل التصدّي في أقرب وقت وعلى النحو الأمثل لأيّ وباء قد ينشأ.

ومن خلال ما توصّلت إليه الجهات المعنيّة على مدى الأعوام الأربعة التي أرّق كورونا فيها العالم، وما زال يفعل حتى اليوم من خلال متحوّرات مستجدّة في أكثر من بقعة، فإنّ للتعاون الدولي ولتعددية الأطراف دوراً مهماً في التصدّي للأوبئة. وترى الأمم المتحدة أنّ ثمّة حاجة إلى تأكيد أهمية الشراكة والتضامن بين كلّ فرد ومجتمع ودولة، والمنظمات الإقليمية والدولية، في كلّ مراحل إدارة الوباء.

ومن البديهي الإشارة إلى ما تؤدّيه منظومة الأمم المتحدة، ولا سيّما منظمة الصحة العالمية، من دور محوريّ في تنسيق تدابير التصدّي للأوبئة، ودعم الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى الوقاية من الأمراض المعدية والأوبئة والتخفيف من آثارها ومعالجتها.

وبحسب الأمم المتحدة، ثمّة حاجة إلى الاعتراف بالدور الأساسي للحكومات ومسؤولياتها والإسهامات التي لا غنى عنها للجهات صاحبة المصلحة في التصدّي للتحديات الصحية العالمية، ولا سيّما النساء اللواتي يمثّلنَ غالبية المتخصصين الصحيين في العالم. وتشير إلى التزام دولها الأعضاء بكفالة المشاركة الشاملة والمنصفة وغير التمييزية، مع إيلاء اهتمام خاص للضعفاء أو الأشخاص الذين يعيشون في ظروف هشّة ويواجهون أكبر احتمالات الإصابة بالأوبئة.

لا مفرّ من اتفاق يتصدّى للأوبئة

في سياق متصل، شدّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أمس الثلاثاء، على أنّ العالم في حاجة إلى الاستعداد بطريقة سليمة لمواجهة الأوبئة المستقبلية، بعدما أنهى أخيراً أعواماً من "الأزمة والألم والخسارة" من جرّاء جائحة كورونا. وحضّ في هذا الإطار الدول الأعضاء في المنظمة على إبرام اتّفاق "ضخم" بشأن الأوبئة من أجل سدّ فجوات الاستعداد التي برزت في خلال أزمة كورونا الوبائية.

وكان المسؤول الأممي قد أوضح، في وقت سابق، أنّ موضوع هذا الاتفاق لا يتعلّق باحتمال قيام أزمة وبائية مقبلة أو لا، بل بتاريخ حدوث أزمة من هذا النوع، مبيّناً أنّه "لا يمكننا تحمّل تكرار أخطاء الماضي نفسها". وبـ"الماضي" يقصد غيبريسوس ما تخلّل مواكبة جائحة كورونا وعمليات مكافحتها.

وأشار المدير العام لمنظمة الصحة إلى أنّه انطلاقاً من هذا، تتفاوض الدول على اتفاق جديد لمكافحة الجوائح وعلى تعديلات خاصة باللوائح الصحية الدولية من أجل تعزيز الإطار القانوني للاستجابة العالمية للجوائح، آملاً ألا يتأخّر موعد إبرام الاتفاق. بالنسبة إليه، فإنّه "من أجل الأجيال المقبلة، يجب علينا ألّا نعود إلى الدورة القديمة من الذعر والإهمال التي جعلت عالمنا عرضة للخطر".

يُذكر أنّ غيبريسوس كان قد أعلن، في الخامس من مايو/ أيار الماضي، أنّ تفشّي فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) لم يعد يمثّل "حالة طوارئ صحية تثير قلقاً عالمياً"، غير أنّه في الوقت نفسه حذّر من أنّ الوباء مستمرّ، وبالتالي لا بدّ من التنبّه. وبالفعل، ما زالت تُرصَد متحوّرات مستجدّة من الفيروس، وما زالت الجهات المعنيّة تشدّد على طرق الوقاية، ولا سيّما اللقاحات المضادة لكوفيد-19 التي ما زالت فعّالة في وجه المتحوّرات الأخيرة، فهي على أقلّ تقدير تساهم في تجنيب الناس الأشكال الحادة من المرض، وكذلك الوفيات ذات الصلة.

المساهمون