تأمل الباحثة التركية، معلمة التاريخ في مدرسة "زيتين بورنو الثانوية" نواري يلدريم، اكتشاف المزيد من الآثار اليونانية والرومانية في منطقة يونت داغ في ولاية مانيسا غربيّ تركيا. فما كُشف نهاية عام 2021، يعدّ برأيها فتحاً لاكتشافات جديدة، بعدما أمضت فرق التنقيب في منطقة إيجة أكثر من سبع سنوات في التنقيب. فالمدينة الأثرية رُدم معظمها بعد زلزال قوي عقب سيطرة الرومان عليها والانتصار على الملك اليوناني أنتيخوس الكبير عام 190 قبل الميلاد.
وتقول يلدريم إنّ اسم مانيسا يُعَدّ الاسم الحديث لـ "ماغنيسيا"، وقد اقترنت به بعد الفتح الإسلامي عام 1313 خلال حكم السلطان ساروهان بيه. لكنها قبل ذلك، كانت من أهم مناطق بحر إيجة وأقدمها، نظراً لاحتضانها العديد من الحضارات القديمة كالحيثية والإغريقية والرومانية قبل دولة السلاجقة.
وتتطابق رؤية الباحثة التركية يلدريم، خلال حديثها لـ "العربي الجديد"، في ما يتعلق بضعف احتمال اكتشاف آثار المعبد مع طرح عضو هيئة التدريس في كلية علم الآثار في جامعة مانيسا يوسف سيزكين، على اعتبار أن "مبنى المعبد تعرض لضرر كبير".
وكان علماء آثار أتراك قد عثروا قبل أشهر على أساسات صخرية لمعبد أثينا القديم الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد بولاية مانيسا غرباً، بعد عمليات التنقيب في منطقة يونت داغ، أسفرت عن العثور على أساسات صخرية لمعبد أثينا القديم الذي دمره البيزنطيون. ويقول سيزكين من كلية علم الآثار في جامعة مانيسا بعد إعلان فريق الآثار الاكتشاف، إن أعمال الحفر في مدينة إيجة القديمة ستتواصل للعثور على بقية الآثار التاريخية المرتبطة بتلك الحقبة، لافتاً إلى أن إيجة القديمة تعد واحدة من 12 مدينة بُنيَت في تلك الفترة.
وتقول يلدريم لـ "العربي الجديد" إن ولاية مانيسا بشكل عام، ومدينة إيجة التي تضم "يونت داغ" تزخر بالمكتشفات والآثار القديمة التي تعود إلى عهد الإمبراطورية الليدية في القرن السادس قبل الميلاد، ونالت المنطقة ذروة المجد خلال العهدين اليوناني والروماني.
وتشير إلى أن ملامح تلك المنطقة تبدلت بعد الزلزال والحروب الرومانية اليونانية، لتعود للازدهار خلال حكم السلطنة العثمانية التي بنتها بملامح جديدة، سواء المساجد أو خزانات المياه والجسور، حتى باتت ولاية مانيسا ومدنها القديمة في القرن السادس عشر، من أهم مدن السلطنة العثمانية من النواحي الاقتصادية والإدارية والاجتماعية. وتقول: "كانت مركزاً لتدريب أبناء السلاطين وأولياء العهود على الحكم والإدارة". كذلك بقيت الولاية لفترة مكان تخريج الأئمة ومهد الحركة الصوفية في القرن الخامس عشر.
وبحسب يلدريم، يردد كثيرون الأساطير في ولاية مانيسا حتى اليوم، منها احتفال المسير الشهير في شهر مارس/ آذار من كل عام، حيث توزع حلوى معجون "المسير". والبعض يتحدث عن خفايا وأسرار جبل سپيلوس الأسطوري ذي الارتفاع الشاهق والقريب من المناطق القديمة بالولاية والذي يضم تمثال الإغاثة، أو الصخرة الباكية والجسر الأحمر وبعض القبور والمعابد التاريخية القديمة.
ومن أشهر عادات أهل المنطقة رقصة الزيبك الممتدة للحضارة اليونانية، وتعني الشجاعة والبطولة. وتظهر الرقصة صفات القوة والشهامة لدى الرجل الذي دائماً ما يكون حاملاً سلاحه ويؤدّي حركاتها بكل عزة وقوة. أما المرأة، فتحرص خلال الرقصة على إظهار اتزانها وجمالها، ويرافق رقصة الزيبك موسيقى حماسية أساسها الطبول والمزامير، إذ تشتهر إيجة بالأغاني التقليدية.
وتأمل الباحثة التركية أخيراً أن يكون اكتشاف أساسات معبد أثينا، بالإضافة إلى "مُنجزَي" مانيسا بمثابة ممراً للتجمعات الحضارية القائمة على الساحل الجنوبي لأوروبا والحضارات القائمة على سواحل هضبة الأناضول. فالمنطقة شهدت اكتشافين نادرين، الأول خمسون أثراً للأقدام المتحجرة عام 1969 من قبل هيئة الدولة التركية للتنقيب عن المعادن في قرية سنديل، والثاني مقابر تعود إلى 3000 قبل الميلاد، ووُجدت في قرية يورتان بالقرب من مركز منطقة كيركاغاك شمال مانيسا.
وتشتهر الولاية التركية بمتحف مانيسا الأثري، الذي يعرض معلومات عن العصور المبكرة حتى القرن العشرين، ويشتمل أيضاً على تماثيل للآلهة التي كانت تعبدها الحضارات القديمة. ويعدّ مسجد المرادية الذي بناه السلطان مراد الثالث بين عامي 1583 و1585 من أهم الآثار العثمانية. وهناك ما يصنّفه الأكراد ضمن العجائب، مثل "نيوب" أو صخرة البكاء التي يروى لسياح مانيسا أنها واحدة من أساطير اليونانيين الشهيرة. وتحولت امرأة إلى صخرة من قبل الإله لتخفيف آلامها، وكثيرون اعتادوا القول إن الصخرة لا تزال تبكي على الظلم والألم من تلك العصور.