ولادات مبكرة ومواليد معوقون في مخيمات إدلب

01 سبتمبر 2023
ندرة المراكز الصحية بالشمال السوري (عبد المنعم عيسى/ فرانس برس)
+ الخط -

أنجبت روعة الحسون (31 سنة)، طفلها في الشهر السابع بعد فترة حمل صعبة عاشتها وسط ظروف معيشية معقدة في ظل قلة الخدمات وعدم توفر الرعاية الصحية في مخيمات "قاح" الواقعة في شمال إدلب، والتي تحتضن آلاف النازحين.
تقول الحسون لـ"العربي الجديد"، إن وليدها لم يكن بصحة جيدة، فتقرر وضعه في الحاضنة لأكثر من خمسة عشر يوماً، وبعدها تمت إعادته بين الحين والآخر إليها من دون أي تحسن في وضعه الصحي نظراً لضعف مناعته، وعدم اكتمال تكون رئتيه. وتضيف: "طوال فترة الحمل، لم أزر طبيبة نسائية لبعد المخيم عن المراكز والعيادات الطبية، وعدم القدرة على توفير نفقات النقل وأجور الأطباء، فزوجي بلا عمل، وحين يجد عملاً ينفق ما يكسبه على تأمين الطعام. أضطر إلى جلب مياه الشرب من مسافة بعيدة كل يوم، وقطع مسافات للوصول إلى دورات المياه المشتركة. سبل الراحة معدومة في مخيمات النزوح".
ليست روعة الأم الوحيدة التي تشكو من المصاعب والمشكلات الصحية، فمئات الحوامل والأمهات في مناطق شمال غربي سورية مثلها، وساهمت الأوضاع المتردية في ولادة عشرات الأطفال الخدج والمرضى والمعوقين وغير مكتملي النمو الجسدي والعقلي، في ظل ندرة مراكز الرعاية الصحية، ونقص الأدوية والمكمّلات الغذائية، إلى جانب الزحام الشديد في المراكز المجانية، وصعوبة الوصول إليها لعدم توفر وسائل النقل. 
تشكو النازحة مريم القاطرجي (28 سنة)، وهي حامل في شهرها السادس، من آلام الظهر والقدمين ودوخة متكررة، وتعاني بسبب الحمل والإرهاق والحر الذي لم تعد تتحمله، وهي لا تستجدي أحداً عند اشتداد آلامها، بل تعايشت معها، فلن يلتفت أحد لحالها في مخيم أطمة الذي لا يضم مركزاً طبياً ولا حتى مختصة نسائية لمعاينة النساء الحوامل، ما يجعلها تخشى من ولادة طفل معوق أو غير مكتمل النمو، وخاصة أن طفلها السابق ولد مصاباً بسوء التغذية وضعف المناعة.

بدورها، أصيبت سلوى المرعي (18 سنة)، بمضاعفات عدة بعد إصابتها بجرثومة "التوكسوبلاسما"، والتي كانت السبب في تشوهات أصابت جنينها قبل وفاته في شهر الحمل السابع بعدما أصيبت بتسمم الحمل الناتج عن الوضع غير الصحي الذي تعيش فيه وعدم قدرتها على متابعة حملها أو حماية جنينها في مخيمات كفرلوسين.
تقول المرعي لـ"العربي الجديد"، إن "التدخل الصحي للمنظمات الإنسانية محدود، ولا يرقى إلى حجم الاحتياجات المتزايدة للحوامل، وهي لا تقدم سوى خدمات صحية أولية. كنت أرغب في رؤية طفلي بعد سبعة أشهر من الحمل الصعب في ظل ظروف النزوح المعقدة، والافتقار للسكن المريح والآمن، لكن فقر الحال والعيش في مخيمات النزوح حال دون ذلك".

رعاية الخدج ضرورة حياتية في الشمال السوري (بكير قاسم/الأناضول)
رعاية الخدج ضرورة حياتية في الشمال السوري (بكير قاسم/الأناضول)

وترصد طبيبة الأمراض النسائية لمى الجندي زيادة معدلات الولادة المبكرة خلال الآونة الأخيرة من جراء تعرض الحوامل لكثير من المشكلات المعيشية والصحية، كفقر الدم، وارتفاع ضغط الدم، وسكري الحمل، والالتهابات التناسلية الفطرية وغيرها، مشيرة إلى أن "الحوامل صغيرات السن هن الأكثر عرضة للولادات المبكرة، وكذلك حالات الحمل في عمر يتجاوز الأربعين، إضافة إلى السيدات اللواتي يعانين من أمراض مزمنة كالسكري والضغط".
وفي ما يتعلق بمخاطر الولادة المبكرة على الجنين، تؤكد الجندي أن "مضاعفات الأطفال الخدج تعتمد على العمر الرحمي، وكلما قل العمر كلما زادت المضاعفات، مثل نقص نمو الرئة، وتأخر النمو العقلي، وانخفاض درجة حرارة الجسم، وفقدان الوزن، وحصول التهاب الأمعاء الناخز، ونقص المناعة، فضلاً عن سوء التغذية لعدم قدرة الخدج على الرضاعة. هناك مفاهيم خاطئة حول الولادة المبكرة، من بينها أن طفل الشهر السابع يعيش وطفل الثامن لا يعيش، في حين أنه كلما قل عمر الجنين في الرحم كلما زادت المضاعفات لديه".

ودعت إلى ضرورة إجراء مراقبة مستمرة لفترة الحمل منذ بدايتها حتى لحظة الولادة، وإجراء فحوص تشخيصية قبل الولادة بناء على خصائص كل امرأة وكل حمل، وإجراء صور الموجات فوق الصوتية عالية الدقة للكشف المبكر عن التشوهات الجنينية والأمراض الشائعة.
من جهتها، تقول رئيسة "شعبة الصحة الإنجابية" في مديرية صحة إدلب بتول خضر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك نقصاً كبيراً في احتياجات الحوامل، فالكثير من مراكز الرعاية الصحية لا تمتلك المقويات والفيتامينات المطلوبة، خصوصاً أنّ ما نعيشه من حالة عدم استقرار جعل غالبية الأهالي يعانون نقصاً في المواد الغذائية، لتصبح المقويات والفيتامينات فرصة لإشباع حاجة الجسم بالنسبة للحوامل، كما أن هناك نقصاً في الأطباء الاختصاصيين، وبسببه يجري الاعتماد على القابلات بشكل أكبر، خصوصاً في المناطق التي لا تضم أطباء أو مستشفيات".

المساهمون