وكالة فرونتكس... انتهاكات في تأمين حدود الاتحاد الأوروبي

وكالة فرونتكس... انتهاكات في تأمين حدود الاتحاد الأوروبي

28 فبراير 2021
مراقبة دقيقة في عرض البحر (خيسوس ميريدا/ Getty)
+ الخط -

ترى وكالة "فرونتكس" نفسها مولجة بتأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في وجه المهاجرين السريين ودعم الدول الأعضاء في إعادة هؤلاء من حيث أتوا، غير أنّ ثمّة اعتراضات كثيرة على أدائها في هذا المجال وغيره

تتعرّض الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" ومديرها فابريس ليجيري، إلى انتقادات حادة، وصلت إلى درجة المطالبة بإقالة الأخير من قبل نواب في البرلمان الأوروبي، على خلفية التحقيقات والتقارير الصحافية الأوروبية وتسجيلات الفيديو التي بيّنت سوء الإدارة وعمليات الصدّ غير القانونية لقوارب المهاجرين في ظروف مأساوية من قبل خفر السواحل اليونانية في بحر إيجة، بالإضافة إلى الفضائح المتعلقة باجتماعات سرية لأعضاء من الوكالة مع ممثلين عن شركات صناعة الأسلحة بين عام 2017 وعام 2019.
وقد باشرت، الثلاثاء الماضي، لجان عدّة في داخل الاتحاد الأوروبي، من بينها مجموعة عمل في البرلمان، تحقيقاتها في الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان، فيما تحقق مجموعة تابعة لـ"فرونتكس" في أكثر من 10 حالات صدّ مشتبه فيها. كذلك كان المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال "أولاف" في الاتحاد قد أطلق، منذ بداية العام الجاري، تحقيقَين يستهدفان "فرونتكس" ويرتبطان بعمليات الصدّ وآليات الرقابة في داخل الوكالة، وبنقص الشفافية، مع رفض الأخيرة تزويد برلمانيي الاتحاد ببيانات خاصة. وفي هذا الإطار، أفادت مجلة "دير شبيغل" الألمانية بأنّ البرلمان شكّل مجموعة مراجعة خاصة للتحقيق في الادعاءات، وسوف يصار إلى مقابلة الشهود والخبراء، خلال الأشهر المقبلة، قبل إعداد تقرير مفصّل حول سوء السلوك وحالات احتيال محتملة والمشاكل الإدارية الداخلية.

وفي ما يُعَدّ دعماً لهذا التوجّه، عمدت مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، أخيراً إلى مطالبة ليجيري بالتعاون مع كلّ هيئات التحقيق. بدورها، صرّحت خبيرة السياسة الداخلية في كتلة الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الأوروبي، بريجيت زيبل، لصحيفة "أوغسبورغ ألغماينه" الألمانية، بأنّ الوقت حان لتقوم الدول الأعضاء والمفوضية بإزاحة ليجيري من منصبه، وهو ما طالب به كذلك نواب حزبَي اليسار والخضر. ويبحث مجلس النواب الأوروبي، عبر مراقبي الميزانية في الاتحاد، رفض صرف الأموال للوكالة في المرحلة المقبلة، لأن أموال دافعي الضرائب من مواطني الاتحاد الأوروبي لم تُنفق بشكل صحيح في عام 2019. من جهته، قال المتحدث باسم سياسة الهجرة في كتلة الاشتراكي الديمقراطي، لارس كاستيلوتشي، لـ"دير شبيغل"، إنّه "لم يعد في الإمكان الدفاع عن فابريس ليجيري"، مضيفاً أنّ المطلوب هو شخص يمكن إعادة بناء الثقة المفقودة معه في الوكالة، داعياً إلى لجنة رقابة برلمانية وتوجيه التهم إلى أولئك الذين يخالفون القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان.
في الإطار نفسه، نقل موقع "شبيغل أونلاين" مع عضو البرلمان الأوروبي عن اليسار، كورنيليا أرنست، أنّ "المعلومات التي تمّ الكشف عنها تؤكد ما كنا نطالب به منذ فترة طويلة: يجب استبعاد ليجيري". أمّا النائبة الهولندية تينيكه ستريك، فرأت أنّ قائمة المزاعم الكاملة توضح بشكل مؤلم أنّ الأمر يتعلق اليوم بمصداقية "فرونتكس"، في حين قال عضو البرلمان عن الخضر، إريك ماركاردت، إنّهم منذ شهور اطّلعوا على فضائح جديدة في الوكالة من الصحافة و"في الوقت نفسه يخبرنا ليجيري بأنّ كل شيء يسير على ما يرام. يجب أن نحصل على إجابات عبر لجنة التحقيق الجديدة".

الصورة
مهاجرون في عرض البحر وسفينة لوكالة فرونتكس (آريس ميسينيس/ فرانس برس)
مهاجرون في عرض البحر وسفينة لوكالة فرونتكس (آريس ميسينيس/ فرانس برس)

انتهاك لحقوق الإنسان
في سياق متصل، يعتزم فريق من المحامين اتخاذ إجراءات قانونية ضد ليجيري ووكالة "فرونتكس"، لإجبار الأخيرة على الانسحاب قانونياً من مهمتها في بحر إيجة. ويستند الفريق، وفق "شبيغل أونلاين"، إلى "ادعاءات خطيرة تظهر أنّ فرونتكس خارج السيطرة". ومن تلك الادعاءات أنّ الوكالة متواطئة مع اليونان لتعريض المهاجرين للخطر في البحر، وهي موثّقة من قبل شبكات إعلامية، وقد تمّ وصفها بأنّها جرائم ضد الإنسانية.
يُذكر أنّه وفقاً للمادة 46 من تنظيم "فرونتكس"، فإنّ المدير ملزم بإنهاء المهمة إذا علم بوقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وقد نقلت "دير شبيغل" شهادة موظف سويدي وصف كيف قام خفر السواحل اليونانية بربط قارب يقلّ مهاجرين بحبل وأعاده إلى المياه التركية. من جهتها، نقلت صحيفة "دي تسايت" الألمانية عن ضابط شرطة ألماني عمل مع الوكالة في بحر إيجة حتى عام 2020، قوله في حالات كثيرة، ربّما لم يبلّغ وزملاؤه مسؤولي "فرونتكس"، وإذا لاحظوا انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل زملاء آخرين في وحدات حماية الحدود، فإنّهم ببساطة يدعمون هذا النهج أو يتسامحون معه.

وأشار الضابط نفسه إلى أنّ عرض البحر يُعَدّ منطقة رمادية قانونياً، خصوصاً إذا لم يطلب المهاجر اللجوء بعد، وبالتالي تجوز إعادته. لكنّه سلّم أخيراً بأنّ "هذا أمر خطأ، لأنّه من الواضح أنّ هؤلاء الناس الذين يركبون قوارب متهالكة غير صالحة للإبحار لا يرغبون في قضاء إجازة هناك".
كذلك ذكر "شبيغل أونلاين" أنّ الوكالة منعت عمل القائمة على الحقوق الأساسية فيها، إنماكولادا أرناييث، في ما يخصّ ادعاءات تتعلق بتعسّف موظفيها وقضايا احتيال وتسلط في داخل الوكالة، بالإضافة إلى إعادة قوارب مهاجرين إلى المياه التركية. علماً أن ليجيري أفاد نواب البرلمان الأوروبي أخيراً بأنّ لا أدلّة على تورّط حرس "فرونتكس" في صدّ المهاجرين. وفي حديث أخير إلى صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، قال ليجيري إنّ "الوكالة تحترم حقوق الإنسان"، وإنّها قامت بعمل جيّد على الرغم من تفشّي وباء كورونا. وعند الطلب منه تفسير الأمور الغريبة التي تحصل في بحر إيجة مع القوارب التي تحمل المهاجرين، لا سيّما أنّها تعود إلى السواحل التركية بعد اصطدامها بخفر السواحل اليونانية، أجاب ليجيري أنّ "هؤلاء المهاجرين بمعظمهم من أفغانستان وباكستان وإيران، وهم يعودون لأنّهم يعلمون أنّهم لا يستحقون الحماية الدولية". حينها، علّق محاوره: "ألن يفكّر هؤلاء في ذلك إلا عند ظهور خفر السواحل اليونانية أمامهم؟".

الصورة
عضو في وكالة فرونتكس (خيسوس ميريدا/ Getty)
عضو في وكالة فرونتكس (خيسوس ميريدا/ Getty)

علاقة تكافلية
وعن العلاقة بين وكالة "فرونتكس" والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أشارت "دي تسايت" إلى أنّها "تكافلية"، أي أنّ كلّ طرف منهما في حاجة إلى الآخر لتنفيذ السياسة الحدودية للاتحاد، مضيفة أنّه في إمكان البرلمان الأوروبي التأثير على الوكالة بشكل غير مباشر فقط من خلال الميزانية، واستدعاء رئيسها ليجيري لتقديم تقرير عن أنشطتها، إذ إنّ لوكالات الاتحاد نظامها الخاص، فيما لـ"فرونتكس" إدارة تكنوقراطية تعمل بشكل مستقل من دون أيّ سيطرة شاملة من قبل البرلمان أو المفوضية أو أيّ مؤسسة أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي. وهي تدار من قبل مجلس إدارة مؤلف من عضوَين من المفوضية الأوروبية، و27 ممثلاً من الدول الأعضاء، بالإضافة إلى ممثلين من دول النرويج وسويسرا وآيسلندا وليشتنشتاين، ويتّخذ مجلسها القرارات الرئيسية ويعتمد الميزانية ويقرّر عدد الضباط الموكلين بالمهام ميدانياً.
من جهة أخرى، ترى المحامية ليزا ماري كومب أنّه ونظراً إلى أنّ الاتحاد الأوروبي لم يوقّع على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإنّه من غير الممكن مقاضاة "فرونتكس" أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والطريقة الوحيدة لتحميل الوكالة المسؤولية القانونية هي الذهاب إلى محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، حيث فرص نجاح المحاكمة ضئيلة.
يُذكر أنّ الوكالة أنشأت في عام 2016 آلية لتقديم الشكاوى الفردية تحت ضغط من البرلمان الأوروبي، من بينها الشكاوى المتعلقة بالإعادة القسرية، والمعاملة غير الإنسانية، وانتهاك الحقوق الأساسية، كحقّ اللجوء وكذلك التعذيب. يضاف إلى ذلك أنّ الوكالة أنشأت آلية للرقابة الداخلية، بهدف الاطّلاع على تقارير الحوادث الخطيرة أو تلك التي يمكن ارتكابها من قبل موظفي الوكالة في مكان بحدّ ذاته، فتُرسل الشكاوى الفردية وتقارير الحوادث الخطيرة إلى مسؤول الحقوق الأساسية في "فرونتكس"، ليصار إلى فحصها وبدء التحقيقات إذا لزم الأمر. ويقال إنّ الأجهزة الرقابية في داخل الوكالة عرفت أوقاتاً عصيبة مع تسلّم المدير التنفيذي الفرنسي فابريس ليجيري المنصب في عام 2015. وفي الإطار، نقلت "دي تسايت" عن الباحثة في شؤون الهجرة، لينا كرامانيدو، أنّه تبيّن خلال البحث في تقارير عدّة تتناول الحوادث الخطيرة، عدم إدراج الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان، كتلك الخاصة بمبدأ عدم الإعادة القسرية أو العنف من قبل مسؤولي الحدود الخارجية، ضمن الفئة الرابعة. بالتالي، فإنّ القائمة على الحقوق الأساسية لم تطّلع على هذه التقارير ولم يُصر إلى التحقيق فيها. تجدر الاشارة، إلى أنّ الوكالة ما زالت في حاجة إلى 40 مراقباً لحقوق الانسان، كان ينبغي توظيفهم بحلول ديسمبر/كانون الأول 2020، وفقاً لطلب البرلمان الأوروبي.

تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة "فرونتكس" تأسست في عام 2004 لتنسيق العمليات المشتركة بين الدول الأعضاء على الحدود الخارجية، وقد نما دورها في خلال السنوات الأخيرة كأيّ وكالة أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي. وهي سوف تتلقى 5.6 مليارات يورو من ميزانية الاتحاد بحلول عام 2027، وقد بدأت بنحو ستة ملايين يورو، على أن يرتفع عديدها إلى 10 آلاف موظف، وتستحوذ شرطتها على سيارات للدوريات ومسدسات وطائرات، بالإضافة إلى طائرات من دون طيار.

المساهمون