تهدد كارثة صحية مئات آلاف المقيمين في شمال غربي سورية الذي يخضع لسيطرة الفصائل المسلحة المناهضة للنظام، وغالبيتهم نازحون، مع توقف دعم المنظمات الدولية المانحة للمنشآت الصحية من دون معرفة الأسباب، ما يعني أنه لم يبقَ إلا الانتظار والأمل في أن يعود الدعم، في وقت يزيد فيه انتشار الفقر والعوز المادي المعاناة الإنسانية.
يبدي مازن خليل (43 عاماً)، من سكان ريف إدلب، مخاوف كبيرة من ازدياد عدد المنشآت الطبية التي تغلق أبوابها، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أدري ماذا سنفعل إذا توقفت المستشفيات المجانية عن العمل، فتكاليف المستشفيات الخاصة والأدوية مرتفعة، وغالبية الناس يجدون بالكاد ما يأكلون، فهم محاصرون في المنطقة من دون أن يكون لديهم عمل أو مصدر دخل"، ويتابع: "سنجد أطفالاً ونساءً وكباراً في السن يموتون بين عائلاتهم لأنهم لا يستطيعون تأمين الدواء أو الرعاية الصحية. التفكير بالمسألة وحده يصيبني برعب، وأحزن على أوضاع مرضى غسيل الكلى وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، الذي يعني عدم حصولهم على أدويتهم من المستشفيات أو المراكز الصحية بأن حياتهم مهددة".
ويقول مدير مديرية صحة الساحل الدكتور خليل آغا، لـ"العربي الجديد": "دعم القطاع الصحي في مناطق المعارضة غير مستقر ولا ثابت، إذ يكون سيئاً أو متوسط المستوى أحياناً، وجيداً أحياناً أخرى، والمسألة لا تتعلق بقطاع كامل أو مستشفى محدد بل بالمنظمات التي توفر بعضها دعماً بنسبة 90 في المائة وأخرى بنسبة 40 في المائة، في حين تتولى أخرى دفع رواتب أو تدعم أدوية. من هنا تتفاوت عمليات المنظمات والمؤسسات بسبب عدم وجود جهة واحدة تدير الدعم أو المؤسسات الصحية، ما يربط المنح بالتمويل الذي قد تتحدد فترته الزمنية ويتوقف بعده الدعم كلياً أو جزئياً، ما يجعل الدواء على سبيل المثال يتوفر في مؤسسة صحية، لكن ليس الكادر الطبي".
يضيف: "ترتبط المشكلة الأخرى بعدم هيكلة القطاعات الصحية بشكل حقيقي، ووضع توزيع جغرافي واضح لها عبر خريطة متكاملة تسمح بتوزيع الاختصاصات والمنشآت في المستشفيات والمراكز الصحية"، ويلفت إلى أن "المشكلة اليوم هي وجود نقص في المستلزمات والمواد، وإغلاق بعض المنشآت والمراكز الصحية نتيجة افتقاد الكوادر الطبية. والأكيد أنه حين يتوقف الدعم عن كادر طبي سيبحث أعضاؤه عن فرص أخرى في مراكز أو عيادات خاصة. لكن رغم الضغوط لا يزال البعض يعمل تطوعاً ولو بدوام جزئي".
ويؤكد آغا أن "الانعكاسات السلبية لهذه الحال كبيرة على الناس. ففي المناطق الساحلية وريف جسر الشغور الفقيرة والتي لا يوجد نشاط اقتصادي فيها، وتضم تجمّعات لخيم نازحين، لا يملك المرضى قدرة على شراء وصفة دواء أو دفع أجور معاينة طبية، ونرى غالباً تخلّي أحدهم عن وصفة طبية حين يأتي إلى مستشفى ولا يجد الدواء فيها".
وحول أسباب تراجع الدعم، يقول آغا "لا نعرف أسباب ذلك، فقد يعود إلى سياسات المنظمات الدولية، وقد يرتبط بخلفيات سياسية، أو أسباب اقتصادية".
وعن احتمال وجود بدائل لاستمرار الخدمات، ينفي آغا هذا الأمر، ويشير إلى أن "الجهود الفردية لا يمكن أن تغطي رواتب الكوادر التي تحتاج إلى تمويل كبير، ما يجعل البديل الوحيد هو الانتظار مع محاولة بعض المنظمات المحلية تأمين أدوية، ولكن كل ذلك لا يغني عن ضرورة إيجاد دعم مستمر".
من جهته، يقول رئيس دائرة الرعاية الصحية في مديرية إدلب، الدكتور يحيى نعمة، لـ"العربي الجديد": "لاحظنا أخيراً تراجع الدعم الموجه إلى القطاع الصحي. وفي نهاية العام الماضي، قمنا بجرد المنح الخاصة بالقطاع الصحي، ووجدنا أن تجديدها لم يشمل أكثر من 18 منشأة، فأعددنا عروضاً خاصة لعرضها على الجهات المانحة. ومع بداية العام الحالي، توقفت المنح التي تشغّل هذه المراكز، ولم تجدد إلا في 6 منها فقط، في حين جمّدت خدمات 12 منشأة تعاني من انقطاع الدعم، بعد استنزاف مخزونها من المستلزمات والأدوية ورحيل المتطوعين عنها. ورغم أننا وفرنا بعض المستلزمات وصمدت بعض الكوادر الطبية، لكن لا يمكن الاستمرار من دون دعم ومواد تشغيل".
ويؤكد أن "عدد الحالات التي تستقبلها المنشآت انخفض كثيراً، ما انعكس سلباً على مستوى الرعاية الصحية في إدلب، علماً أن المرضى راجعوا المنشآت التي ما زالت تتلقى دعماً، ما زاد الضغط عليها بشكل كبير"، ويلفت إلى أن "المنطقة تعاني حالياً من بداية موجة جديدة من متحوّر أوميكرون من فيروس كورونا الذي ظهر في نسبة 65 في المائة من الفحوص. ومع بداية هذه الموجة، يجب أن يتجنب الأهالي التجمع في مناطق مكتظة، ويستخدموا وسائل وقاية وتعقيم، لكن ذلك لا يحصل في المستشفيات بسبب توقف الدعم، علماً أن موجة البرد الأخيرة تركت آثاراً سلبية عليها أيضاً".
وأمل نعمة "في أن تتوافر فرص لإعادة تمويل المنشآت، ونحن نعمل ما في وسعنا للتواصل مع المنظمات التي وجدنا منها بعض الآذان الصاغية، مثل منظمة الصحة العالمية، التي قد تدعم أهم المنشآت الصحية وليس كلها".
وكانت منظمة "منسقو الاستجابة في سورية" قد أعلنت في تقريرها الدوري عن الوضع الإنساني في شمال غربي سورية، والذي نشرته في فبراير/ شباط الماضي على صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، أن مناطق شمال غربي سورية تعاني من أزمة جديدة تتمثل في انقطاع الدعم عن 18 منشأة طبية تقدم خدمات لأكثر من مليون ونصف مليون شخص يقيمون في المنطقة، وحذرت من أن "توقف الدعم الدولي وما نتج عنه من زيادة الضغط على باقي المنشآت، قد يتسبب في عواقب كارثية".