وطني حبيبي... الاستعمار فين والطغيان؟

12 أكتوبر 2015
يُمنعون من دخول عاصمة بلادهم (فرانس برس)
+ الخط -
"ياللي ترابك كحل لعيني
ياللي هواك عطره بيحييني"

وسط انفلات سيل المهاجرين من سورية، لا يتحدث أحد عن مجريات الهجرة والنزوح في العراق. كلّ ما يرد في وكالات الأنباء والرسالات الإخبارية مجرد أنباء عن معارك عسكرية تخبو وتحتدم مع تنظيم "داعش".

يتحدث مراسلون أحياناً عن مجاميع كبيرة من النازحين تُمنع من دخول بغداد إلاّ في حال توفر كفيل لهم من سكان العاصمة. على هامش ذلك تجري عملية متاجرة تُدفع فيها الدنانير والدولارات للسماح لمواطنين عراقيين بالدخول إلى عاصمة بلادهم. ما يتجاوز ذلك يدخل في إطار ما يسمّى الحرب على الإرهاب، من نوع ظهور الجنرال الإيراني قاسم سليماني على الجبهة، أو زيارة وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر وتسليم العراق طائرات حربية للمشاركة في القصف الجوي، أو مجيء المزيد من الخبراء الأميركيين.

لا أحد يشير الى أنّ ما يشهده العراق هو حلقة في مسار له مقدمات قديمة وبعيدة وجديدة في بلاد الرافدين. ومثل هذا الأمر لا ينطبق على مرحلة حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فقط، بل هو أشد انطباقاً على المرحلة التي تسلّم فيها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مقاليد الأمور من الأميركيين.

كلّ المجريات تؤكد الخلل البنيوي العميق الذي يضرب البنية العراقية حتى النخاع. وما إن أخلت القوات الأميركية البلاد حتى ظهرت منوعات من المشاريع الدفينة، بعضها داخلي وبعضها إقليمي. والحصيلة كانت موجات من الإجحاف والتنكيل، تلاها لاحقاً هجرة ونزوح ضربا مناطق وفئات بقوة. ملايين العراقيين غادروا بلادهم. من بينهم مئات الآلاف من ذوي الكفاءات النادرة. وذلك بعد حملة اغتيالات طاولت الآلاف من المهندسين والأطباء والمحامين والفنانين والكتاب والأساتذة الجامعيين.

قصد هؤلاء سورية والأردن ولبنان، ووصل الكثيرون، ممن تسنى لهم ذلك، إلى أوروبا وأميركا. والآن تجري في العراق عمليات تطهير عرقي حيناً، وطائفي - مذهبي أحياناً، كما يحدث في سورية تماماً من دون زيادة أو نقصان.

لا بدّ من إلحاق الهزيمة بـ"داعش"، لكنّ الانتصار على دولة الخلافة "دونه خرط القتاد"، إذ لا أمل يرتجى في ظل سياسات طائفية ومذهبية مغطاة ومداراة، وبلد تُنهب خيراته وتتوزّع بين فئات تدير اقتصاد مافيات، فضلاً عن عشرات المليشيات التي تنخر في جسد هو في الأصل يعاني من مشاكل صحية مدمرة لقدراته.

أرض الرافدين تجفّ بناسها ونخيلها وثرواتها، وتستوطنها الحروب مهما كانت نتائج القتال، ومعها ملايين اللاجئين والنازحين الذين يبحثون عن وطن يشبه ملامح بلادهم فلا يعثرون عليه.

*أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية

إقرأ أيضاً: وطني حبيبي
المساهمون