وصم اجتماعي لمغسلي الموتى في تونس

04 سبتمبر 2023
لتغسيل الميت وتكفينه أصول شرعية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

كان "تغسيل الموتى" حكراً على أقارب المتوفى لفترات طويلة في تونس، ثم تحول إلى مهنة يمارسها رجال ونساء، بعضهم تطوعاً، وبعضهم بمقابل مادي، لكن بات البعض يتجنبونها بسبب الوصم الاجتماعي الذي يتعرضون له.
تقول مغسلة محترفة، طلبت عدم ذكر اسمها: "أقوم بتغسيل الموتى منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد تعلمت قواعد المهنة حين كان عمري 17 سنة عن عمتي التي كانت تصحبني معها كلما ذهبت لتغسيل إحدى المتوفيات. كان عملي في البداية المساعدة في سكب الماء، حتى تعلمت قواعد غسل الميت، وأصبحت أقوم به منفردة بعد نحو عشر سنوات. لكن بعد نحو 15 سنة في هذه المهنة، بات البعض يعتبرونني نذير شؤم".
وتقول مغسلة أخرى تدعى عربية، إنها "قررت قبل 20 سنة التطوع لتغسيل المتوفيات. بدأ ذلك بعد وفاة والدتي، حينها لم نجد امرأة تغسلها في المنطقة، ما اضطرنا للبحث في المناطق المجاورة. فعدد من يمارسن تلك المهمة قليل. عندها قررت تعلم قواعد غسل الموتى، وأقوم بالعمل تطوعاً، لكني بت أواجه الوصم الاجتماعي الذي يرافق أغلب من يقومون بتغسيل الموتى، وخشية بعض الناس من التعامل معي، فالبعض يعتبر المغسل نذير شؤم لا يجب مجالسته أو مرافقته. رغم ذلك لم أنقطع عن عملي التطوعي، وأقوم بتغسيل الأطفال والنساء، إذ لا يجوز أن تغسل المرأة الرجل، وقمت بتغسيل عشرات المتوفين خلال السنوات الماضية، بينهم من توفي بسبب أمراض أو حوادث، ولا أتحدث أبداً عن أي أمر ألاحظه أو أراه في المتوفى".
تتابع: "بعض الأشخاص يؤمنون بأن مصير الشخص المتوفى يحدد عند وفاته، ويؤمنون بأن أهل الجنة يظهر الله نوراً على وجوههم، وأن أهل النار تسود وجوههم، ولا يلاحظ ذلك سوى من يقوم بتغسيل الميت وتكفينه. لذا يسألونه عن وجه الميت، وكيف هو، وهل هو مبتسم أم لا، وهل تنبعث منه ريح طيبة أم كريهة. لا أجيب عن أي من تلك الأسئلة، فلا يعلم ذلك سوى الله. ربما يجعل كتمان أسرار الميت المغسل يبدو كشخص غامض أو غريب الأطوار، وتربطه قصص الأموات أكثر من الحياة، لذا نصبح منبوذين من بعض الناس".

واجه كثير من التونسيين مشكلة إيجاد مغسل أموات خلال جائحة كورونا، إذ انقطع عدد كبير منهم عن العمل بسبب الخوف من العدوى، ورغم أن وزارة الصحة كانت تؤكد على ضرورة دفن المتوفين من جراء الإصابة بفيروس كورونا من دون تغسيلهم، إلا أن العديد من الأهالي كانوا يحرصون على تغسيل موتاهم وتكفينهم.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقوم عبد الكريم العامري (50 سنة)، بتغسيل الموتى منذ نحو ثلاثين سنة، ويقول: "من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر في المغسل أن يكون تقياً، وعارفاً بأحكام غسل الموتى، وأن يكون كتوماً لا يخبر الناس بما يراه في بيت الميت، أو أي شيء غريب في جسده. يتصل بي الناس في أي وقت لتغسيل ميت، وألبي طلب الجميع إذا كان رجلاً. أذهب قبل موعد الدفن بساعتين أو ثلاث. تغسيل الميت له قواعد شرعية، إذ يجب أن يبدأ التغسيل بالشق الأيمن، ثم الأيسر من الجسد، كما ينبغي عليه إيصال الماء إلى كافة أنحاء الجسد، ثم يتم تنشيف الجسد، ووضع الكافور والعطور قبل التكفين، وعند تغسيل الميت يجب أن يكون المغسل على وضوء، مع الدعاء بالمغفرة للمتوفى طيلة عملية الغسل، ويتم تكفينه بثلاث طبقات من القماش، وربطه ثلاث ربطات من عند الرأس والبطن والقدمين".
يضيف العامري لـ"العربي الجديد": "لا شيء في عملنا يدعو إلى الاشمئزاز أو النفور، بينما بعض الأشخاص يعتبرون من يغسل الموتى نذير شؤم. لا أخجل من عملي. فهو مهنة شريفة، وفيها أجر كبير من عند الله. لكني لم أتزوج بسبب تلك المهنة، إذ لا تقبل النساء الزواج من مُغسل موتى، وكنت كلما أخطب فتاة ترفضني بسبب عملي، حتى عدلت عن فكرة الزواج، لكني لم أنقطع عن مهنتي رغم الوصم الذي يلاحقني".
تشير رقية رياحي إلى أنها مارست تلك المهنة لأكثر من 18 سنة. لكنها انقطعت عنها عند تفشي فيروس كورونا خوفاً من العدوى، ليس خشية على حياتها، ولكن خشية على صحة عائلتها وذويها. ولا تنفي أن عملها بتلك المهنة جعلها تعيش وصماً اجتماعياً، وتتعرض لبعض التنمر، فقد اعتبرها البعض طيلة سنوات نذير شؤم لا يجب مرافقتها.

المساهمون