تمنع الأوضاع المعيشية الصعبة العديد من النازحين في المنطقة المحرّرة من محافظة إدلب، شمال غربي سورية، من توفير مواد التدفئة السليمة في فصل الشتاء، ما يجبرهم على التوجّه للبحث عن حلول بديلة بتكاليف منخفضة، رغم خطورتها وضررها على الصحة.
وقد أصبحت القمامة والملابس البالية والأحذية من الوسائل المعتمدة للتدفئة لدى النازحين في معظم المخيمات بالريف الشمالي لمحافظة إدلب، لسهولة الحصول عليها وتكلفتها المنخفضة مقارنة بوسائل التدفئة التقليدية كالحطب والوقود.
وتحدث الناشط الإعلامي أبو أسعد الحمصي، لـ"العربي الجديد"، عن هذه الوسائل وكيفية حصول النازحين عليها، موضحاً أنّ النازحين يجمعون أكياس النايلون ويشترون الأحذية والملابس البالية لاستخدامها كمواد للتدفئة، وهذه الظاهرة منتشرة في 90 بالمائة من مخيمات المنطقة.
ويقوم النازحون، وفق أبو أسعد، بشراء الأحذية المستوردة بنعل واحد فقط، ويصل سعر الكمية منها إلى نحو 5 آلاف ليرة سورية (1.8 دولار)، وهذه الكمية تكفي النازح للتدفئة لمدة قد تصل إلى أسبوع. أما الملابس المهترئة فسعر 100 كيلوغرام منها يصل في الوقت الحالي إلى نحو 10 آلاف ليرة سورية (3.6 دولارات)، بينما لو قارنا هذه المصادر بالمازوت، فكمية المازوت التي يمكن شراؤها لا تكفي إلاّ ليوم واحد أو يومين.
وأشار الناشط إلى أنّ النازحين يتجهون إلى مخيم "حلب لبيه"، في منطقة كفرلوسين، لجمع الأكياس البلاستيكية واستخدامها في التدفئة. وهم مجبرون على تحمّل الروائح المنبعثة عنها، لعدم توفّر البدائل.
ونظراً لصعوبة الحصول على مواد التدفئة، يناشد النازحون المنظّمات الإنسانية العمل على توفير مواد غير ضارّة بالصحة لهم و لأطفالهم، نظراً لما يعانيه هؤلاء النازحون جرّاء استخدام هذه المواد.
ويضيف أبو أسعد، وهو نازح من ريف معرة النعمان الشرقي، ويقيم في مخيّم للنازحين قرب مدينة الدانا شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد"، أنّ أولاده يعانون على الدوام من التهابات في الجهاز التنفسي بسبب استخدام أكياس البلاستيك في التدفئة، وغيرها من المواد الضارة القابلة للاشتعال، وهو يناشد الجهات الإنسانية توفير البدائل لها.
وتُعتبر مواد التدفئة غير السليمة، كالنايلون والأحذية والملابس البالية، مواد خطرة عند اشتعالها، تسبّب أمراضاً كثيرة، وقد تتسبّب بوفاة النازحين داخل الخيم، كما يقول المهندس البيئي محمد إسماعيل لـ"العربي الجديد"، نتيجة الغازات السامة المنبعثة عنها، ومنها غاز أحادي أكسيد الكربون الناتج عن عملية الاحتراق الجزئي لها.
ويضيف إسماعيل أنّ الخطر الأكبر هو استخدامها في مكان مغلق، الأمر الذي قد يسبّب الاختناق نتيجة نقص الأكسجين، موصياً بعدم استعمال هذه المواد داخل الأماكن المغلقة التي تفتقر للتهوية. وأوضح أنّ الروائح المنبعثة عنها هي سبب رئيسي في أمراض الجهاز التنفسي، إضافة إلى كون انبعاثاتها خطرة على البيئة أيضاً، بسبب كميات غازيّ أحادي وثنائي أكسيد الكربون الكبيرة المنبعثة عنها، مقارنة بالحطب أو وقود التدفئة المكرّر وفق معايير ومواصفات سليمة.
وفي فبراير/ شباط الماضي، توفي أربعة نازحين من عائلة واحدة، هم أب وزوجته وابنتاه، بمخيم الضياء، قرب بلدة كللي في ريف إدلب الشمالي، اختناقاً داخل الخيمة التي يقيمون فيها، جرّاء استخدام الفحم مصدرا للتدفئة.
ويقيم نحو مليون نازح في 1293 مخيماً بمحافظة إدلب السورية، وعانى هؤلاء النازحون من مصاعب كثيرة في فصل الشتاء، منها مواد التدفئة والخيام المهترئة التي لا تمنع عنهم موجات الصقيع والبرد.