"هوت سبوت" الصليب الأحمر الإيطالي يحتضن المهاجرين في لامبيدوزا

29 سبتمبر 2023
شهدت لامبيدوزا وصول أعداد هائلة من المهاجرين في سبتمبر 2023 (فاليريا فيرارو/ الأناضول)
+ الخط -

وصلت مجموعة صغيرة مؤلّفة من 17 مهاجراً تونسياً إلى لامبيدوزا الإيطالية بحراً، اليوم الجمعة، وهي الأولى منذ أكثر من أسبوع، بعدما حال سوء الأحوال الجوية دون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى الجزيرة الواقعة جنوبي إيطاليا، انطلاقاً من ساحل شمال أفريقيا، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا).

وتحت ضغط شديد وسط أعداد غير معتادة، تعمل منظمات الإغاثة على توفير المأوى والطعام والدعم النفسي لآلاف المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى لامبيدوزا، بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا.

وقد تولى الصليب الأحمر الإيطالي رعاية هؤلاء المهاجرين التونسيين في مركز الاستقبال "هوت سبوت" الذي كان مكتظّاً في منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، بعد وصول آلاف المهاجرين في غضون أيام قليلة. والمركز الذي يُعَدّ النقطة الأولى لاستقبال الوافدين في رحلات هجرة غير نظامية مخصّص لاستضافة نحو 400 شخص كحدّ أقصى. لكنّه في ذروة حالة الطوارئ المستمرّة منذ منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، استقبل نحو سبعة آلاف مهاجر فرّوا من أزمات اقتصادية وسياسية في دولهم، معظمها أفريقية.

وقد سُجّلت الزيادة الضخمة في الأعداد بعدما ضاعف الصليب الأحمر الإيطالي، الذي يدير مركز "هوت سبوت" في لامبيدوزا، منذ يونيو/ حزيران الماضي، جهوده لتوفير حلول فورية وضمان استقبال كريم في أوروبا للمهاجرين الذين يصلون أسبوعياً من شمال أفريقيا.

وفي خلال 24 ساعة (في 12 سبتمبر الجاري)، وصل إلى لامبيدوزا أكثر من ستّة آلاف مهاجر، من بينهم عدد كبير من القصّر والنساء الحوامل، الأمر الذي أدّى إلى مضاعفة عدد سكان الجزيرة الصغيرة (نحو 6 آلاف نسمة)، وأثار توتّرات في إيطاليا وأوروبا.

وعلى مدى عقود، مثّلت لامبيدوزا خطّ المواجهة الأوّل أمام أزمة الهجرة في البحر الأبيض المتوسط، وأوّل ميناء لدخول القوارب الصغيرة التي تغادر سواحل دول شمال أفريقيا أملاً في الوصول إلى شواطئ دول الاتحاد الأوروبي.

الصورة
نقطة الصليب الأحمر الإيطالي لاستقبال المهاجرين في لامبيدوزا الإيطالية (أليساندرو سيرانو/ فرانس برس)
إسعافات أولية في نقطة الصليب الأحمر الإيطالي لاستقبال المهاجرين في لامبيدوزا (أليساندرو سيرانو/ فرانس برس)

وأفادت أكثر من 80 منظمة غير حكومية دولية، في بيان مشترك منتصف سبتمبر الجاري، بأنّ المركز الصغير في الجزيرة، حيث يُفصَل المهاجرون عن السكان المحليين، وتُحدَّد هويّاتهم قبل إعادة نقلهم وتوزيعهم، قادر على استيعاب 389 مهاجراً، ولا يمكنه تأمين الاستقبال الكريم لهذه الأعداد من المهاجرين الذين يصلون يومياً إلى الجزيرة.

لكنّ موظفي الصليب الأحمر تمكّنوا من إدارة حالة الطوارئ، عبر مضاعفة الجهود وزيادة عدد العاملين، لتقديم الدعم الصحي الجسدي والنفسي للمهاجرين الذين واجهوا الصعاب أثناء رحلاتهم المحفوفة بالمخاطر.

تقول رئيسة إدارة الهجرة في الصليب الأحمر الإيطالي فرانشيسكا باسيلي، لوكالة "الأناضول" إنّ "خبرة فريقنا تمكّنه من الاستجابة بسرعة لحالات الطوارئ، بالاعتماد على موظفي الإغاثة الذين يأتون من كلّ أنحاء إيطاليا". وتضيف أنّ "هدفنا هو ضمان التعامل بإنسانية مع الأشخاص الذين يُدفَعون إلى بيئة مجهولة بعد رحلة محفوفة بالمخاطر".

كذلك، يقدّم عمّال الإغاثة في الصليب الأحمر خدمة مهمّة في إطار برنامج لمّ شمل العائلات، بهدف مساعدة المهاجرين الذين فقدوا الاتصال بأسرهم على التواصل معهم والاجتماع بهم من جديد.

وتشير باسيلي إلى أنّ إحدى القضايا الأكثر تعقيداً في أزمة الهجرة هي "تقديم المساعدة الكافية للقصّر غير المصحوبين بذويهم، الذين وصل عددهم إلى نحو 300 في خلال فترة الطوارئ الأخيرة". وتشدّد على أنّ "التحدي الحقيقي يكمن في العثور على مكان جيّد لاستقبالهم"، مضيفة أنّ "القصّر يحتاجون كذلك إلى مساحات لممارسة الأنشطة الترفيهية".

وبحلول 24 سبتمبر الجاري، كان مركز استقبال لامبيدوزا يستضيف 152 مهاجراً ولاجئاً فقط، بعد توقّف مؤقّت لقوارب المهاجرين بسبب أمواج البحر الهائجة.

يُذكر أنّ من بين الذين ظلّوا في المركز، بعد نقل مهاجرين كثيرين إلى خارج الجزيرة، 128 من القصّر غير المصحوبين بذويهم.

تفيد الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) بأنّ الرحلات المسجّلة في مسار الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط تمثّل نصف إجمالي عدد مرّات "العبور غير النظامي عبر الحدود" الأوروبية، والتي يبلغ مجموعها 232 ألفاً و350 رحلة نحو دول الاتحاد الأوروبي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023.

وفي هذا المسار، تمثّل كلّ من تونس وليبيا نقطتَي الانطلاق الرئيسيتَين لرحلات الهجرة، فيما تمثّل إيطاليا، تحديداً جزيرة لامبيدوزا، نقطة الدخول الرئيسية إلى أوروبا.

وبحسب بيانات منظمات دولية، توفي أو فُقد أكثر من 2000 شخص خلال الهجرة منذ بداية 2023 وحتى منتصف سبتمبر الجاري.

في سياق متصل، وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني (يمين) الوضع في لامبيدوزا بأنّه "غير مستقر"، فيما رأى نائبها ماتيو سالفيني، المناهض للمهاجرين، أنّ تدفّق المهاجرين الهائل "من أعمال الحرب".

تجدر الإشارة إلى أنّ الأحزاب المشكلة للحكومة الراهنة فازت بالانتخابات البرلمانية، في سبتمبر 2022، بناءً على وعود بوقف تدفّق المهاجرين، وقد زادت مدّة احتجاز المهاجرين من ثلاثة أشهر إلى 18 شهراً، ووافقت على إنشاء مراكز جديدة لاحتجاز الوافدين من دون تأشيرة.

وحذّرت ميلوني من أنّ هؤلاء المهاجرين يمثّلون تهديداً لـ"مستقبل أوروبا"، مشدّدة على حاجة بلادها إلى دعم الاتحاد الأوروبي لمواجهة تدفّقهم.

واتّخذت ميلوني إجراءات مثيرة للجدل تستهدف ما تسمّيه "إنقاذ المدنيين" الإيطاليين، وطرحت مبادرة لحصار بحري بقيادة الاتحاد الأوروبي من أجل منع رحلات الهجرة غير النظامية من الانطلاق من تونس، لكنّ المبادرة سوف تظلّ محدودة النطاق بموجب القوانين الدولية.

ومنذ مطلع عام 2023 وحتى 14 سبتمبر الجاري، وصل نحو 126 ألف مهاجر إلى إيطاليا عبر البحر، وهو ما يقترب من ضعف العدد مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، بحسب بيانات وزارة الداخلية الإيطالية.

وفي 17 سبتمبر الجاري، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، في مؤتمر صحافي مشترك مع ميلوني، عقب جولة في مركز المهاجرين في لامبيدوزا، عن خطة من 10 نقاط لمساعدة إيطاليا في حلّ أزمة هؤلاء.

ومن بين ما تنصّ عليه الخطة زيادة المساعدة المخصّصة إلى إيطاليا من خلال وكالة اللجوء ووكالة حماية الحدود الأوروبيّتَين، ودعم نقل المهاجرين من لامبيدوزا إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى الراغبة في استقبالهم.

وكانت أزمة تدفّق المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية قد تسبّبت في تأجيج الخلافات الأوروبية المستمرّة منذ سنوات، في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد قواعد مشتركة لمكافحة الهجرة غير النظامية.

(الأناضول، فرانس برس)

المساهمون