يعيش اللبنانيون واللاجئون المقيمون في لبنان اليوم أزمة اقتصادية كبيرة في ظل انهيار قيمة العملة اللبنانية أمام الدولار، والذي رفع أسعار كل السلع في شكل خيالي، وتحديداً تلك الأساسية المواكبة للحياة اليومية. ومع رفع الدعم التدريجي باتت أسعار السلع الأساسية مضاعفة وتفوق قدرات الطبقة الفقيرة للبنانيين واللاجئين، وبالتالي بات يصعب توفير الاحتياجات الضرورية مثل حليب الأطفال والحفاضات، وما تحتاجه العائلة من مواد غذائية، إلى جانب تأمين الأدوية للأمراض المزمنة.
بالنسبة إلى الدواء، تقول السيدة الفلسطينية المقيمة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، الحاجة نضال: "أنا مريضة بالضغط والسكري، وأحتاج إلى أدوية شهرياً. وبسبب ارتفاع سعر صرف الدولار واحتكار الأدوية بات معظمها مفقوداً، حتى تلك البسيطة التي تستخدم بلا وصفة لمعالجة عوارض بسيطة مثل ألم الرأس. هكذا صار الصيدلي يُجيب الشخص الذي يريد شراء دواء عادي بأنه غير متوافر أو يعطيه حبات قليلة توجد على شريحة واحدة من العلبة. وفي حالتي لجأت إلى استخدام دواء بديل بمواصفات مشابهة، ولكنه ليس بالفاعلية ذاتها".
وفي شأن فقدان حليب الأطفال من الصيدليات، والذي لا تستطيع الأمهات إيجاد بديل له، تقول أم محمد، وهي من مخيم عين الحلوة، وأم لطفلين: "لا يمكن وصف شعور أم لا تستطيع شراء الحليب الضروري لأطفالها. ولا تعرف ماذا تجيبهم إذا طلبوا منها إعداد وجبة أرز بالحليب. أنا حقاً مصابة بذهول، وأنفجر بالبكاء طوال الوقت لأنني لا أستطيع شراء الحليب المفقود أساساً من الصيدليات لطفلي الرضيع، ولا الحليب من السوبرماركت لابني البالغ من العمر أربعة أعوام. وحتى إذا وجد فأنا لا أستطيع شراءه، لأن سعره بات يفوق إمكاناتي المادية، ولا أعرف ما العمل، وكيف سأؤمنه".
تضيف: "يشمل الواقع ذاته الحفاضات، إذ صرت أبحث عن أرخص نوع منها بغض النظر عما إذا كانت منخفضة الجودة وقد تؤثر على صحة ابني. فالحقيقة أنه يصعب تأمينها، وقد اضطررت مرات إلى ترك ابني من دون حفاض كي أوفر قليلاً. الأكيد أن الأسعار تتجاوز قدرتي، وأنا لا أعرف ماذا أفعل، وأقف عاجزة أمام ما يطلبه طفلي في محل السكاكر".
من جهته، يقول أحمد، وهو سائق سيارة أجرة فلسطيني مقيم في مخيم المية ومية، شرق مدينة صيدا: "لدي أربعة أولاد، اثنان منهم صغيران، وجميعهم يحتاجون إلى حليب غير متوافر منذ أكثر من شهر. الحقيقة أنه حين نعلم بوجود حليب في صيدلية أو سوبرماركت، نذهب منذ ساعات الفجر الأولى لشرائه، لكننا عندما نسأل عنه يخبروننا بأنه نفد أو أنه غير موجود. وحصل أن وجدنا الصنف الذي يتناوله أولادنا، لكننا لم نستطع دفع ثمنه الذي يتجاوز قدراتنا، ووقفنا عاجزين أمام هذا الأمر". يتابع: "سعر الحليب تضاعف عن السابق، ونحن لا نعرف ماذا نفعل أمام هذا الغلاء غير الطبيعي، لذا نطالب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأن تتحمل مسؤولياتها أمام الشعب الفلسطيني، وأن تصدر بطاقة تموين للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، على غرار البطاقة التي أقرّها مجلس النواب اللبناني للمواطنين الفقراء".
وكان البرلمان اللبناني قد أقرّ في 30 يونيو/ حزيران قانون البطاقة التموينية للعائلات الفقيرة شهرياً، في خطوة استباقية لإجراءات رفع الدعم عن الأدوية والمواد الغذائية وغيرها من السلع الضرورية مثل الطحين والرز والسكر.
ويواجه الفلسطينيون المقيمون في لبنان، أسوةً باللبنانيين، أزمة انقطاع الكهرباء التي تؤثر على كل نواحي الحياة المعيشية. ويزداد حجم مشكلات هذا الانقطاع الذي يترافق مع تقنين عمل المولدات الكهربائية ما يؤثر على المرضى الذين يحتاجون إلى أجهزة تنفس. تقول سيدة فلسطينية تقيم في مخيم نهر البارد، شمال لبنان: "بات الوضع المعيشي ميؤوساً منه. سنشهد انفجاراً اجتماعياً إذا لم تنفذ أونروا واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني. يموت الناس من الجوع، والمرضى يحتاجون إلى أجهزة تنفس، في حين أن تغذية المخيم بالكهرباء تقتصر على ساعتين يومياً فقط، وهناك تقنين في ساعات التغذية التي توفرها المولدات، ما يحرم المرضى من هذه الأجهزة. ونسأل بالتالي هل يُعقل أن يُحرم مرضى مثل والدتي من الكهرباء وبعضهم يحتاج إلى أجهزة تنفس، وما الحل؟ لم نمُت بجائحة كورونا، لكن الفقر سيُميتنا".
وكانت مؤسسة "شاهد" الفلسطينية لحقوق الإنسان قد أصدرت بياناً طالبت فيه "أونروا" بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتنفيذ خطوات استباقية لمواجهة الكارثة من خلال إطلاق نداءات استغاثة للمانحين والمجتمع الدولي من أجل تأمين تمويل طارئ لتغطية الاحتياجات الأساسية للاجئين. ودعت إلى إعادة تنفيذ برنامج تقديم السلع العينية لعموم اللاجئين الفلسطينيين طوال فترة الأزمة، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي للمانحين لتوفير الدعم المالي والاقتصادي الدائم للاجئين الفلسطينيين.