هل يمنح الكيتامين الأمل لمرضى الاكتئاب رغم المخاوف؟

26 يونيو 2024
منذ 20 عاما يستخدم الأطباء النفسيون الكيتامين في حالات الاكتئاب، 19 أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الكيتامين يقدم علاجًا فعّالًا للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد والمقاوم، بما في ذلك الحالات الانتحارية، ويُظهر وعدًا في تقليل خطر الانتكاسات الاكتئابية ومساعدة في حالات اكتئاب ما بعد الولادة.
- على الرغم من الموافقة الرسمية على استخدامه في الولايات المتحدة وأوروبا، يبقى الحذر بين الأطباء بسبب مخاوف من إمكانية الإدمان وسوء الاستخدام، خاصةً كمخدر.
- الأبحاث الجديدة تُظهر وعودًا في تطوير أشكال جديدة من الكيتامين تقلل من الآثار الجانبية ومخاطر الإدمان، مما يفتح آفاقًا جديدة لعلاج الاكتئاب بطرق أكثر أمانًا.

منذ 20 عاما يستخدم الأطباء النفسيون الكيتامين في حالات الاكتئاب، ولا يعدّ من مضادات الاكتئاب التقليدية التي طُرحت منذ ستينيات القرن العشرين، وتكثر راهناً الأبحاث الرامية إلى التأكد مما إذا كان جزيء الكيتامين الذي يعدّ مادة مخدّرة قوية مفيداً في علاج بعض حالات الاكتئاب، خصوصاً عندما لا ينفع أي دواء آخر، لكنّ الحذر يبقى قائماً، نظراً إلى صعوبة التحكّم بآثاره الجانبية الخطيرة.

علاج الاكتئاب بطريقة سريعة وصاعقة

وخلافاً لمضادات الاكتئاب المعتادة، يعمل الكيتامين بطريقة سريعة وصاعقة، لكنّ الآليات الفيزيولوجية التي تتيح له معالجة أعراض الاكتئاب غير معروفة بالضبط. ولذلك يبدو واعداً في حالتين رئيسيتين: أولاهما عند الحاجة إلى علاج دقيق وعاجل، كما في حالة الأزمات الانتحارية، وثانيتهما عندما يتبين أن الأدوية التقليدية غير فاعلة، وهي الحالة التي توصف بـ"الاكتئاب المقاوِِم". وقد لاحظت الباحثة الأسترالية المتخصصة في الصحة النفسية جولاين ألان أن "الحاجة ماسّة إلى أدوية جديدة لحالات الاكتئاب الحادة، والكيتامين واعد للمرضى الذين يتجاوبون معه".

وأكدت دراسات عدة نشرتها مجلات علمية مرموقة في الأشهر الأخيرة، الاهتمام بالكيتامين من هذين المنظورين. فعلى المستوى الأول، أظهرت دراسة نشرت في مجلة "بريتيش ميديكال جورنال" في إبريل/نيسان أن إعطاء الأمهات الشابات بعد الإنجاب جرعة واحدة من الإسكيتامين، وهو أحد مشتقات الكيتامين، يساهم في الحدّ من خطر إصابتهنّ باكتئاب ما بعد الولادة.

وعلى الصعيد الثاني، أظهرت دراسة نشرت، الاثنين، في مجلة "نيتشر ميديسين" أن دواءً قائماً على الكيتامين منع عدداً أكبر من الانتكاسات الاكتئابية، مقارنة بمرضى جرى إعطاؤهم دواءً وهمياً. ولكن نظراً إلى كون العيّنة التي شملتها الدراسة صغيرة (إذ اقتصرت على نحو مائة مريض)، وإلى بعض المنهجيات التي اختيرت لإجراء الدراسة، لا يزال من المبكر استنتاج نتيجة حاسمة.

ومع ذلك، وفّرت هذه الدراسات المزيد من الأدلة المشجعة على استخدام الكيتامين كمضاد للاكتئاب، فيما لم يعد لدى قسم كبير من الأطباء النفسيين أي شكّ في كونه نافعاً.

الصورة
الاكتئاب ، 1 مايو 2023 (Getty)
وفّرت هذه الدراسات المزيد من الأدلة المشجعة على استخدام الكيتامين كمضاد للاكتئاب، 1 مايو 2023 (Getty)

وأكّد الطبيب النفسي في "مستشفيات جنيف" ميشال هوفمان أن ثمة "حماسة" فعلية في الوسط الطبي لاستخدام الكيتامين، موضحاً أنه "بمثابة وسيط بين مضادات الاكتئاب الكلاسيكية والصدمات الكهربائية"، مضيفا أن "الكيتامين يمكن أن يجنِّب المرضى الذين لا تنفعهم الأدوية التقليدية خيارَ الخضوع للصدمات الكهربائية". 

ورغم أن استخدام الكيتامين لعلاج بعض حالات الاكتئاب حظي منذ سنوات بموافقة السلطات الصحية في الولايات المتحدة وأوروبا، إلاّ أن بعض الأطباء النفسيين لا يزالون يقاربون الكيتامين بحذر وتردد، ولا ينكر هؤلاء فاعلية الكيتامين، لكنّهم يخشون أن يؤدي استخدامه إلى إدمانه، خصوصاً أن هذا الجزيء غالبا ما يساء استخدامه ويُحوّل إلى مخدر. وسبق لوفاة شخصيات عامة بجرعات زائدة منه، كنجم المسلسل التلفزيوني الكوميدي "فريندز" ماثيو بيري، أن أحدثت ضجة إعلامية واسعة.

وكتب الطبيب النفسي ريكاردو دي جيورجي في مقال له عام 2022 في "بريتيش ميديكال جورنال": "هل سيعطى الكيتامين قريباً للمرضى ذوي الأفكار الانتحارية؟ من الصعب تأكيد ذلك، لأن ثمة خطراً حقيقياً من أن يؤدي الاستخدام واسع النطاق للكيتامين إلى أزمة أفيونيات جديدة"، في إشارة إلى الأزمة الصحية التي تسببت في مئات الآلاف من الوفيات في الولايات المتحدة، بسبب سوء استخدام بعض الأدوية أو الإفراط في استخدامها.

ويتمثل التحدي تالياً في الحدّ من خطر سوء الاستخدام، ومن الآثار الجانبية الخطيرة، كظهور اضطرابات الشخصية الانفصامية. وفي هذا الجانب، تكمن أهمية الدراسة التي نشرتها مجلة "نيتشر ميديسين"، إذ تهدف إلى اختبار طريقة جديدة لإعطاء الكيتامين، بواسطة حبوب تطلق الدواء تدريجاً في الجسم. ويُحتمل أن يكون استخدام هذه الحبوب أكثر ملاءمة وأقل خطورة من العلاج من طريق الوريد أو رذاذ الأنف، وهما الشكلان المعتمدان حاليًا للإسكيتامين.

وأشارت الدراسة إلى نتائج واعدة في هذا المجال، مع أنها هي الأخرى بحاجة إلى تأكيد. وقال المعدّ الرئيسي للدراسة بول غلوس إن "المرضى أفادوا عن بعض الآثار الجانبية (...) لذلك لا أعتقد أن هذه الأقراص ستجذب الأشخاص الذين يريدون تحوير استخدام الكيتامين".

(فرانس برس)

المساهمون