لا يزال تعطيل الدراسة بفعل الاشتباكات التي تدور في جنوب لبنان محصوراً في مدارس القرى الملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلة، ما يعني أن المدارس، الرسمية والخاصة، التي تبعد عن الخط الأزرق مسافة تتراوح بين 7 و10 كيلومترات لا تزال تعمل رغم التوتر.
لكن غالبية المواطنين خائفون على أبنائهم وبناتهم من تمدد رقعة القتال إلى ما يتجاوز قواعد الاشتباك بين الطرفين، خصوصاً أن بعض صواريخ وغارات الاحتلال الإسرائيلي تعدت ما درجت عليه سابقاً، ووصلت إلى العمق اللبناني، حتى إن بعضها بلغ مسافة 40 كيلومتراً.
وقرر وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترك متابعة الدراسة من عدمها في أيدي مديري المدارس، ثم ما لبث أن وسَّع إطار القرار ليعتمد مبدأ التعطيل الدراسي الكلي في منطقة الشريط الحدودي الذي يمتد من بلدتي كفرشوبا وشبعا شرقاً إلى الناقورة غرباً، ويشمل عشرات القرى والبلدات.
بطبيعة الحال، سرى القرار على المدارس الخاصة أيضاً، ليرتفع عدد المدارس المغلقة من 28 فقط إلى نحو 52 من أصل 300 مدرسة في الجنوب اللبناني، بسبب الأعمال القتالية التي تشهدها جبهة تمتد على مسافة تقارب 85 كيلومتراً، ليجبر أكثر من 8000 طفل على ترك مقاعد الدراسة، ثم توسع العدد عندما انضمت إلى المدارس المتوقفة عن العمل تلك التي جرى تحويلها إلى ملاجئ لاستقبال النازحين، الذين غادروا قراهم بسبب القذائف والصواريخ التي دمرت المرافق العامة كشبكات الماء والكهرباء، وأثرت على الطرق، ما يحول دون وصول الخدمات الطبية، فضلاً عن تضرر المواسم الزراعية.
وتعدى ما يشهده الجنوب الشريط الحدودي إلى العمق اللبناني، فقد غادر عشرات الآلاف قراهم، وقصدوا المناطق البعيدة عن خطوط التماس، وقام الميسورون منهم باستئجار منازل في العاصمة، أو في البقاع والجبل، وحتى في محافظة الشمال، ما قاد إلى ارتفاع الإيجارات.
وبطبيعة الحال، انتقل من استطاع مع أفراد أسرته، بمن فيهم التلاميذ، ونتيجة هذا، دعت وزارة التربية مديري المدارس في المناطق التي قصدها النازحون إلى تسجيلهم في الصفوف التي سبق أن تسجلوا فيها مع بداية العام الدراسي.
هذه التسهيلات، على أهميتها، لا تعني أن التعليم لن يكون أحد ضحايا المواجهات إذا ما طال أمد النزوح، فالنزوح بحد ذاته من شأنه أن يترك بصمات مأساوية على الأطفال في عمر الدراسة.
ضمن هذا التوجه، عادت بعض المدارس الرسمية والخاصة القريبة من خط الجبهة إلى التعليم عن بُعد، لكن الأوضاع تبدو أشد توتراً، فالأهالي يسمعون تهديدات إسرائيلية متكررة، تارة حول إعادة لبنان إلى العصر الحجري، وتارة حول تدمير بيروت على غرار ما حدث في مدينة غزة.
(باحث وأكاديمي)