هل سيتمكن الأطباء من علاج الإدمان عبر جراحة في الدماغ؟

19 يونيو 2021
تحفز الجراحة الدماغ على تجاهل رغبة تعاطي المخدرات (Getty)
+ الخط -

قرر الأميركي جيرود بوكالتر (35 سنة) إجراء جراحة في الدماغ للتخلص من الإدمان الذي رافقه لعقدين من الزمن بعد أن قضى فترات طويلة في مصحات، ومراكز تأهيل فشلت جميعها في علاجه، في حين كان يخشى أن تؤدي جرعة زائدة إلى وفاته.

خضع بوكالتر لعملية جراحية تسمح للطبيب بفتح ثقبين صغيرين في جمجمته، وإدخال أقطاب كهربائية ذات رؤوس معدنية في دماغه للسيطرة على رغباته، وبعد مرور أكثر من 600 يوم من خضوعه للعملية الجراحية التجريبية، لم يقترب بوكالتر من المخدرات أو أدوية الهلوسة، ما يجعل الجراحة ناجحة للغاية، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وحسب الأطباء فإن بوكالتر كان يعاني من "اضطراب تعاطي المخدرات"، وهو مرض نادر يجعل الأشخاص يعانون من الهلوسة في حال عدم تناول المخدرات، وقد خضع للعملية بهدف تخفيف الاضطراب عن طريق التحفيز العميق للدماغ، وعادة ما يستخدم هذا النوع من العمليات مع المرضى الذين يعانون من مرض الصرع، وبعض الحالات الأخرى المستعصية.
ويدحض نجاح الجراحة الاعتقاد الخاطئ بأن اضطراب تعاطي المخدرات هو ضعف أو فشل أخلاقي، وليس مرضا في الدماغ.
ولا يزال بوكالتر بحاجة إلى المتابعة، والمشورة النفسية والطبية، ففي بعض الأحيان يشعر برغبة شديدة في تناول المخدرات، أو يشعر بالاكتئاب والقلق، إلا أنه يصر على عدم العودة إلى إدمان المخدرات. ويقول: "في صغري، لم أكن أتمكن من الانتظار طويلاً للحصول على شيء ما، وفي حال عدم حصولي الفوري على أي شيء أريده، تحدث المشاكل. أعتقد أن هذا هو سبب اضطراب إدمان المخدرات الذي أعاني منه".
لكن آلية "تحفيز الدماغ"، لو نجحت في تجربة سريرية كاملة، لن تساعد سوى عدد ضئيل من المرضى لأن العملية لا تستهدف سوى فئة محددة تنحصر فقط بمن يعانون من اضطراب تعاطي المخدرات، ويقول علي رضائي، مدير معهد روكفلر لعلوم الأعصاب في جامعة وست فرجينيا، والذي أجرى جراحة بوكالتر: "هذا ليس علاجاً سحرياً، الجراحة تسمح بتخفيف حدة القلق، وتحسين الحالة المزاجية، وجعل الناس أكثر مسؤولية عن أجسادهم، وجعلهم أقل عرضة للتأثر".

تهدئة الرغبات
ويصف خبراء الجراحة هذه العملية بأنها أكثر الأنواع تطوراً لقياس نشاط الدماغ، إذ يتم استخدام أجهزة في أجزاء من الدماغ لمراقبة نشاطه، وقد حظيت بموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ولكن لبعض الحالات فقط، بما في ذلك الاكتئاب، واضطراب الوسواس القهري، والصرع، وتم تحقيق نتائج أكثر في اضطرابات الحركة، وخاصة لدى مرضى "باركنسون".
من الناحية النظرية، يمكن أن يكون لإرسال إشارات كهربائية إلى الجزء الصحيح من الدماغ فوائد متعددة في علاج الإدمان، فهو يحفز إفراز الدوبامين الطبيعي، ويقلل من الرغبة الشديدة في تعاطي المخدرات، ويمكن أن يحسن من عملية اتخاذ القرار، ويحد من الاندفاع عن طريق التدخل في الدوائر التي تربط النواة المتكئة بأجزاء أخرى من الدماغ.
وتحتوي أطراف الجهاز المصنوعة من سبائك البلاتين والإيريديوم على أربع جهات اتصال منفصلة، مما يسمح للأطباء بإطلاق نبضات كهربائية على أعماق مختلفة في النواة المتكئة، ويمكنهم أيضاً ضبط الجهد والتردد، وتوقيت النبضات، وكل ذلك باستخدام جهاز لوحي بسيط.
يعود تاريخ هذه الجراحة إلى نحو 15 عاماً، حين بدأ باحثون في استكشاف ما إذا كان بإمكانهم معالجة الظروف السلوكية الأكثر صعوبة عن طريق تعديل هياكل صغيرة في الدماغ، وحسب الخبراء، فقد تم العمل على هذه الجراحة لمعالجة اضطراب الوسواس القهري.
وعلى الرغم من نجاح هذا النوع من العمليات، إلا أن بعض النتائج لم تكن موفقة، فبعد أن زرع رضائي أجهزة تحفيز في أدمغة ثلاث نساء لمكافحة السمنة المرضية، طلبت إحداهن إزالة الجهاز، وتوفيت أخرى منتحرة بعد 27 شهرًا، لكن الخبراء خلصوا إلى أن الأجهزة ليست مسؤولة عن أي من تلك النتائج.

وحسب مدير قسم العلاج العصبي في مستشفى ماساتشوستس العام، دارين دوجيرتي، فإن "تحفيز الدماغ لمقاومة الإدمان حتى لو نجح في تجربة سريرية، فلن يتم توسيع نطاقه، أو اعتماده كعلاج للإدمان. قد يساعد الأشخاص الذين يعانون من أشد اضطرابات تعاطي المخدرات، والذين تنتهي حياتهم بجرعات زائدة، ولكن لا يمكن استخدام الجراحة مع الكثير من المرضى".
وعلى النقيض من موقف دوجيرتي، أثنى كيسي إتش هالبيرن، الأستاذ المساعد في جراحة الأعصاب في المركز الطبي بجامعة ستانفورد، والذي أجرى جراحة مماثلة لعلاج الإفراط في تناول الطعام، على التجربة، واعتبر أنهم "يقومون بعمل رائد مستند إلى سنوات من البيانات التي تم جمعها".

وقبل ثلاثة أشهر، استبدل الأطباء جهاز التحفيز الأول بآخر مصمم حديثًا يلتقط الإشارات الكهربائية في دماغ بوكالتر، والشهر الماضي، بموافقة إدارة الغذاء والدواء، تم إدخال بوكالتر إلى مستشفى روكفلر، حتى يتمكن الباحثون من وضعه في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، وخضع لتجربة جديدة، حيث لم يتم إخباره بإيقاف تشغيل المحفز لدراسة ردود أفعاله، وتبين أنه خلال ثلاثة أيام من نزع الجهاز، عانى من الاضطراب، والقلق، والتوتر، كما كان شديد العصبية، وبمجرد أن أعادوا الجهاز، تغير مزاجه.
ووصف والد بوكالتر الأشهر التسعة عشرة الماضية بأنها "عيد الميلاد كل يوم"، وقال إن ابنه بات يشعر بالقلق بشأن كيفية الوصول إلى العمل في الوقت المحدد بدلاً من البحث عن مكان لتعاطي المخدرات.
في حين يقول بوكالتر: "لم أكن أعرف كيف أعيش حياة طبيعية بعيدًا عن تعاطي المخدرات، لم أكن أعرف ما معنى الصداقة، ولم أكن أعرف كيف أكون ابناً صالحاً. رغم أنني أعاني أحياناً من بعض الاضطرابات، إلا أنني سعيد بما حققته".

المساهمون