في هذا البلد العربي الإسلامي، لا تختلف تقاليد وطرق الاحتفال بمناسبة عيد الأضحى كثيراً عن باقي الدول الإسلامية. في المغرب يعتبر "العيد الكبير"، كما يسميه المغاربة، مناسبة لإحياء شعيرة دينية مقدسة، بدءاً من يوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة)، الذي يصومه معظم المغاربة، إلى العاشر منه، أي يوم العيد، الذي يصرّ فيه أفراد العائلة على الاجتماع وصلة الرحم، فهو من المناسبات السنوية التي يوليها المغاربة عناية فائقة، ويحاولون جاهدين إحياءها إلى جانب أسرهم بعدما تكون قد تفرقت بهم السبل طيلة العام.
وفي يوم العيد، تستفيق الأمهات قبل الجميع لتحضير مائدة الإفطار بما لذ وطاب من شاي مغربي أصيل وحلويات تقليدية، وهي سر الاحتفال في كل الأعياد المغربية، من كعب غزال (محشي اللوز المعسل)، و"غْريْبة"، وحلوة "الفقّاص"، وغيرها من الأصناف الشهية، فيما يتوجه رب الأسرة مرفوقاً بأولاده، إن وجدوا، إلى المصلى لإقامة صلاة العيد.
واستثناء هذه السنة، منعت السلطات المغربية إقامة صلاة العيد في المساجد والمصليات احترازاً ضد جائحة كورونا، مما سيفرض على أرباب الأسر إقامة الصلاة في البيت.
وبعد الصلاة، تلتف العائلة حول مائدة الإفطار، بزيهم التقليدي المغربي، من قفاطين وجلابيب للذكور، قصد إحياء المناسبة كما تمليها التقاليد المغربية العريقة، وسط جو من التبريكات والأماني بموفور الصحة والعافية. بعدها يتم تجهيز مكان التضحية، وهي الشعيرة الأكبر والأقدس، وتكون المعدات مجهزة قبلاً لتسهيل أمر الذبح على الماشية.
ويلتزم جل المغاربة بذبح أضاحيهم بعد إعلان ملك البلاد تأديته للصلاة وذبحه لأضحيته وأضحية عن شعبه في ساحة قصره، وهو تقليد يراعيه المغاربة كثيراً ويعتزون به.
بعدها تقام مأدبة شواء كبيرة توزع خلالها قضبان الكبد المشوي وكؤوس الشاي، كإفطار ثان، اقتداءً بسنة الرسول (ص)، ومن ثم تبدأ نساء الأسرة في تنظيف أحشاء الخروف وإعدادها للطهي، "وجبة التقلية" كما هو معروف لدى عموم المغاربة، والتي يعتمدونها لوجبة الغذاء.
عشية يوم العيد، تبدأ الأسر في استقبال زوارها وذويها للتبريك حاملة بعضاً من هدايا العيد وكمية وفيرة من القطع المعدنية لتوزيع العيدية على الأطفال، الذين ينتظرونها بفارغ الصبر. وفي هذه الأثناء تجتمع العوائل حول موائد الشاي والحلويات المعدة سلفاً لهذه الزيارات المرتقبة.
وتلتحق نساء الأسرة بعدها بالمطبخ لتحضير وليمة العشاء، فيقتطف أكبر مقطع من الخروف، وعادة ما يكون كتفه الأيمن أو الكتفين معاً، حسب عدد الضيوف، ويبخر لحمه في الفرن مرفوقاً ببعض المقبلات والسلطات المختلفة، وكذا بعض قضبان اللحم المشوي على الفحم والمعد بالتتبيلة المغربية، فيما تفضل بعض الأسر تقديم وجبة رأس الخروف ليلة العيد، فتعدها نساء الأسر إما مبخراً أو مع طبق الكسكس المغربي.
هذه عادات متوارثة من جيل إلى جيل، ويصرّ المغاربة على إحيائها أيا كانت الظروف المادية أو الإنسانية التي تمر منها الأسر المغربية، فجائحة كورونا أكبر دليل على أن المناسبة مقدسة عند عموم المغاربة، ولا يسمحون لأي ظرف بمنعهم من إحيائها.