هدم في القاهرة... الحكومة تدمر المساكن والتاريخ

01 فبراير 2022
يمشي بين الركام (محمود شاهين/ فرانس برس)
+ الخط -

تُواصل السلطات المصريّة هدم عدد من الأحياء السكنية في العاصمة القاهرة بدعوى التطوير، وكان آخرها إخلاء مناطق الجيارة وحوش الغجر والسكر والليمون، في إطار سياسة تطوير محيط سور مجرى العيون وسط القاهرة لتنفيذ مشروع سياحي وثقافي وترفيهي.
ويقول مسؤولون في محافظة القاهرة إنّه سيتم إخلاء المنطقة المحيطة بسور مجرى العيون في إطار مخطط تطوير المنطقة، وحصر المنازل الموجودة بمناطق الجيارة والسكر والليمون وحوش الغجر تمهيداً لإزالتها، وذلك بعد توفير سكن بديل لأهالي تلك المناطق، باعتبار أن المناطق التي يتم إزالتها تندرج ضمن تلك غير الآمنة أو العشوائية. 
والهدف من التطوير هو تنفيذ مشروع سياحي ثقافي ترفيهي على الطراز الإسلامي يمتد على مساحة 95 فداناً، ويضم مسارح وقاعات سينما ومجمعات تجارية وفنادق على مساحة 12.5 فداناً، في إطار خطة الدولة لتطوير المناطق التاريخية وإعادة الواجهة الحضارية للعاصمة مرة أخرى. وستُبنى المنشآت على الطراز الإسلامي القديم، وتشمل بناء أسواق متنوعة لعرض منتجات حرفية وتراثية مثل الخيامية (صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم قي عمل السرادقات)، والمغربلين (حرفة ترتبط بتجارة الحبوب)، والصاغة، والنحاسين، وغيرها. وتشتهر القاهرة التاريخية بهذه الحرف. بالإضافة إلى ما سبق، ستخصص مساحة لبناء مسرح ودور سينما ونوافير تراثية.
وتتعامل السلطات المصرية مع القاهرة باعتبارها ملكية خاصة، وتحدث شروخاً لا يمكن معالجتها في النسيج العمراني للمدينة، الأمر الذي يزعج الباحثين والخبراء في علوم البناء والتخطيط العمراني. وغالباً لا تستعين الدولة بآراء الخبراء كما لا تحترم وجهة نظر الأهالي والسكان واختياراتهم، أو النظر إلى البعد التاريخي والنسيج العمراني للمناطق قبل هدمها. 
وتحدث عمليات الهدم تطبيقاً لقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسن القانون رقم 187 لعام 2020 ويتضمن تعديلاً لبعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة. ونص القانون على أن يُستبدل بنص الفقرة الأخيرة من المادة 2 والمادتين 6، و12 من القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة. 
وعدّلت الفقرة الأخيرة من المادة الثانية "ليكون تقرير المنفعة العامة بقرار رئيس الجمهورية أو من يفوضه، مرفقاً به: (أ‌) مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه موضحاً بها قيمة التعويض المبدئي والذي يجب إيداعه بحساب الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية المشار إليه بنص المادة 6 من هذا القانون، وذلك خلال شهر من صدور قرار المنفعة العامة. (ب) رسم بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازمة له".

خسرت منزلها (محمود شاهين/ فرانس برس)
خسرت منزلها (محمود شاهين/ فرانس برس)

كما تم تعديل المادة رقم 6 وباتت تنص على أنه "يتم تقدير التعويض بواسطة لجنة تشكل بكل محافظة بقرار من وزير الموارد المائية والري، من مندوب عن هيئة المساحة رئيساً، وعضوية مندوب عن كل من مديرية الزراعة ومديرية الإسكان والمرافق ومديرية الضرائب العقارية بالمحافظة، على ألا يقل المستوى الوظيفي لأي منهما عن المستوى الأول (أ)، ويتم تغيير أعضاء هذه اللجنة كل سنتين. ويقدر التعويض طبقاً للأسعار السائدة وقت صدور قرار المنفعة العامة مضافاً إليه نسبة عشرين في المائة من قيمة التقدير، وتودع الجهة طالبة نزع الملكية كامل مبلغ التعويض خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار في حساب يدر عائداً لدى أحد البنوك المملوك أسهمها للدولة، لصالح الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية، على أن يؤول فائض الحساب بعد تمام صرف التعويضات المشار إليه بالمادة (13) من هذا القانون إلى الجهة طالبة نزع الملكية. وفي حال تأخر الجهة طالبة نزع الملكية عن إيداع مبلغ التعويض في الموعد المشار إليه، تسدد هذه الجهة تعويضاً إضافياً عن مدة التأخير بنسبة الفائدة المعلنة من البنك المركزي ويصبح هذا التعويض حقاً لأصحاب الشأن. ويجوز بموافقة الملاك اقتضاء التعويض كله أو بعضه عيناً".

قضايا وناس
التحديثات الحية

كما نصّت المادة 12 بعد تعدليها على أنّه "إذا لم توّدع النماذج أو القرار الوزاري طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة السابقة خلال ثلاث سنوات من تاريخ قرار المنفعة العامة في الجريدة الرسمية، عد القرار كأن لم يكن بالنسبة للعقارات التي لم تودع النماذج أو القرار الخاص بها".
وتصف دراسة صادرة عن المشروع البحثي التابع للجامعة الأميركية في القاهرة "حلول للسياسيات البديلة"، المجتمعات العمرانية الجديدة بكونها مسميات أخرى بديلة تستخدم للإخلاء القسري، ومثل تلك المسميات ليست جرائم بحد ذاتها. لكن عندما يكون تحديث المدينة قائماً على أطلال حياة مجتمعات تم ترحيلها لأماكن أخرى، يصبح التحديث قسرياً ومن دون رضا السكان الأصليين في موقع مشاريع التحديث. 
وتُحاول الدولة منذ أوائل القرن الحالي تغيير معالم العديد من أحياء القاهرة، من خلال وصمها بالعشوائية ومخالفة القانون والتدخلات المستمرة بالهدم والإخلاء. 

خسرت منزلها (محمود شاهين/ فرانس برس)
لا تحترم الدولة وجهة نظر الأهالي والسكان (محمود شاهين/ فرانس برس)

وترجع كلّ عمليات التحديث العمراني القسري تلك إلى عام 2008، عندما عرض مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء الحالي (رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني حينها) مشروع "القاهرة 2050". ويتلخص المشروع في تغيير شكل قلب القاهرة، وتحويل معظم الأحياء إلى مراكز مال وأعمال من خلال التدخل في المناطق غير الرسمية لإخلاء مناطق تضم أكثر من مليوني مواطن، بحسب الدراسة. 
ومنذ عام 2008 وحتى عام 2011، تبنت مجموعة من المتخصصين في علوم العمران والاجتماع والاقتصاد التصدي لذلك المشروع، الذي سيؤدي إلى اختفاء هوية القاهرة، بالإضافة إلى فقدان قيم اجتماعية عديدة من خلال نقل السكان. وبالفعل، نجحت ثورة يناير/ كانون الأول 2011 في تعطيل المشروع. لكن في عام 2014، أسندت الدولة وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية إلى مدبولي، وكان أول تصريحاته أنّ مشروع "القاهرة 2050" مستمر.

وأشارت الدراسة إلى أنّه بالعودة إلى أبحاث عمرانية واجتماعية السابقة، فإنّ غالبية محاولات الدولة توفير ما يطلق عليه سكن للفقراء من خلال مشاريع الإسكان الحكومي، لم توفر معايير السكن الملائم، لأنّ محاولات وضع مجموعات مختلفة من السكان باحتياجات ومشاكل وإمكانيات مختلفة في مكان واحد داخل وحدات سكنية موحدة، يستحيل أن يحقق رغبات السكان وتوفير احتياجاتهم. لذلك، لم ينجح ذلك النمط في إتاحة بديل للنمط غير الرسمي ليستمر في النمو.  

المساهمون