لا مجال للاحتفال بعيد الميلاد في الأردن بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وبادر مجلس رؤساء الكنائس إلى إلغاء جميع مظاهر الاحتفال هذا العام، ومنها استعراضات الكشافة الموسيقية، وجولات توزيع الهدايا على الأطفال، وزينة الميلاد احتراماً لدماء الشهداء في غزة وعموم فلسطين.
وأكد بيان صادر عن المجلس، أنّ احتفالات عيد الميلاد المجيد ستقتصر على الصلوات والطقوس الدينية في الكنائس، فيما ستخصص التبرعات لصالح قطاع غزة. كما جددت المبادرة العربية المسيحية "عروبة" تأكيدها على التزام قرار مجلس الكنائس في المملكة القاضي بإلغاء جميع الفعاليات والأنشطة ومظاهر عيد الميلاد.
يقول كاهن رعيّة قلب مريم الطاهر للاتين في مدينة الفحيص، الأب عماد الطوال، لـ "العربي الجديد"، إن احتفالات الكنائس تقتصر على الشعائر الدينية الرسمية والصلوات من دون أي مظاهر للزينة أو الاحتفالات. نحن في مدينة الفحيص، وجل سكانها من المسيحيين، متفقين على هذا.،وفي الوقت نفسه، لن نحرم الأطفال من فرحة الميلاد. ستقام بعض الاحتفالات للأطفال دون العشر سنوات داخل الكنائس، أما بقية الفعاليات، وحتى ضيافة العيد، فلن تكون حاضرة بسبب استمرار العدوان على غزة".
ويشير إلى أن الدعم والتبرعات التي ستأتي ستوزع على الفقراء، ويخصص جزء منها للأهل في غزة، مشيراً إلى أنه في وقت سابق، جرى تنظيم حملة لجمع التبرعات للأهل في غزة أيضاً. "المسيحيين في غزة تضرروا كما جميع سكان القطاع من الحرب الوحشية، وقتلت أم وابنتها داخل الدير برصاص قناصة الاحتلال، وعلمنا باستشهاد أكثر من 20 مسيحياً، فيما دمر حوالي 70 بيتاً لمسيحيين. واجبنا في الأردن التضامن مع سكان غزة والعائلات المتضررة والتبرع لهم بما نستطيع".
ويوضح الطوال أن "ما يحدث يجعلنا أكثر تضامناً، ووزعنا مساعدات لحوالي 300 عائلة محتاجة في منطقتي ماحص والفحيص، ونحن هنا عائلة واحدة ولا فرق بين مسلم ومسيحي، ونحاول مساعدة الطلاب الفقراء، وتلك هي فرحة الميلاد".
بدوره، يقول حازم العكروش من مدينة الفحيص، لـ "العربي الجديد"، إن "الاحتفالات بالأعياد يشعر بها الأطفال بشكل أكبر. لكن في ظل هذه الظروف، حتى الأطفال لا يطلبون من الأهل الاحتفال". يضيف: "لم يطلب أطفالي تزيين شجرة أو الاحتفال. فالعدوان على غزة يخيم على حياتنا في ظل المجازر المستمرة ورؤية الأشلاء على الشاشات. سابقاً، كان الأطفال يصرون على الاحتفال، لكنهم هذا العام لا يتحدثون عن أجواء الاحتفالات بسبب الحرب على غزة". ويشير إلى أن "الحركة خلال الأعياد ستكون عادية وستتركز على زيارات كبار السن. من الواضح أن الجميع في ظل العدوان والجرائم البشعة فقدوا الإحساس بالفرح".
ويوضح العكروش أنه "في ظل هذا القتل والعدوان والحصار ومنع دخول الطعام والغذاء والدواء إلى غزة، لن يتمكن أحد من الفرح والاحتفال بالأعياد". ويقول: "يمكن الخروج لتناول الطعام مع العائلة لتعويض الأطفال عن الاحتفالات. عادة ما تهتم العائلات بتزيين شجرة العيد وإنارة الطرقات. كما تتزين المدينة القديمة في الفحيص ومنطقة الرواق بالإنارة وتشهد الاحتفالات. كان الجميع مسيحيين ومسلمين يحضرون للاستمتاع بأجواء الاحتفالات".
ويشير إلى أن "المدارس والكنائس هذا العام ستجمع الأطفال وتقدم لهم الهدايا البسيطة، بالإضافة إلى المشاركة في التراتيل الدينية لعيش أجواء العيد والابتعاد ولو قليلاً عن الحزن ليبقى الأمل حياً في قلوبهم". ويقول: "في هذه الأيام، وفي ظل الوضع العربي المخجل في ما يتعلق بالتضامن مع غزة، والتظاهرات غير الفاعلة لوقف العدوان الهمجي، ندعو الناس إلى مواجهة الاستعمار الجديد والمشاركة في الفعاليات الداعمة لغزة وصمودها أمام العدوان".
بدورها، تقول دينا رعد لـ "العربي الجديد" إن "غياب أجواء عيد الميلاد عن الأردن أمر طبيعي. في العادة، عندما يتوفى أي شخص من أي عائلة، تلغى الاحتفالات. جميع من استشهد في غزة هم من عائلتنا". تضيف: "نشعر بالقهر. نرى الاستبداد والظلم ونحن غير قادرين على تغير الواقع. من الطبيعي ألا يكون هناك أجواء عيد واحتفالات. نحن اليوم بحاجة إلى تذكر أن ميلاد السيد المسيح الذي جاء لفداء هذا العالم، ويجب أن نصلي من أجل تحقيق السلام وانتهاء العدوان وحرب الإبادة".
تتابع: "نحن كعائلات مسيحية نستقبل عيد الميلاد هذا العام وقد وضعنا أنفسنا مكان الأهل في غزة ونشعر بوجعهم. لدينا إيمان وثقة ورجاء. الجميع داعم لقرار مجلس الكنائس حول إجراءات الاحتفال بالأعياد"، لافتة إلى أنه "في ظل الظروف الحالية لا أحد لديه رغبة في الاحتفال. حتى أن الكثير من الأطفال على قناعة بأن الاحتفال ليس مهماً".
تضيف: "طفلتي الصغيرة طلبت شجرة ميلاد. ربّما نصنع شجرة صغيرة ونضع عليها كوفية فلسطينية وكرات ملونة تمثل العلم الفلسطيني رغم عدم رغبتي بذلك، لكن فقط من أجل زراعة الأمل". تضيف: "أخبرت طفلتي أنه لن يكون هناك احتفال هذا العام، كما في العام الذي توفي فيه جدها. فمن يُقتلون في غزة هم من أفراد العائلة". وتشير إلى أن غالبية الأطفال يدركون ما يحدث في غزة من جرائم. أما الكبار، فيكتفون بالصلاة في الكنائس وزيارة كبار السن. لكن المبالغ التي كانت تنفق على الهدايا ستكون تبرعات لأهل غزة". وتوضح: "لا أتخيل مسيحياً يدعم دولة الاحتلال. الحرب ضد تعاليمنا وكل ما يجري مخالف لكل الأديان، ومنها المسيحية".
تقدر أعداد المسيحيين في الأردن بما يقارب 3 إلى 4 في المائة من عدد سكان المملكة في الوقت الحالي، علماً أن النسبة كانت تقارب 12 في المائة وفق إحصاء أجري في عام 1956. ويقطن مسيحيو الأردن في مناطق متعددة ، لكنهم يتركزون خصوصاً في مدن مأدبا وعجلون والفحيص والكرك وإربد والزرقاء والعاصمة عمّان، وهم ممثلون في البرلمان بـ 9 مقاعد من أصل 130 مقعداً، كما أنّ لديهم تمثيل في الحكومة عبر وزراء على نحو شبه دائم.