حذّر الأستاذ والباحث في علم الاجتماع نجيب بوطالب من تأثير هجرة الشباب على المجتمعات المحلية المهددة باختلال التوازن الديمغرافي وفقدان اليد العاملة وارتفاع نسبة العنوسة بين الإناث، فضلاً عن تأثيرها على مدن الجنوب التونسي.
وأشارت الدراسة إلى بوادر تحوّلات اجتماعية عميقة تشهدها محافظة تطاوين، جنوبي تونس، بسبب موجات الهجرة لشباب المنطقة عبر تركيا ودول البلقان، وصولاً إلى العواصم الأوروبية.
وأبرزت الدراسة، التي أعدها فريق البحث، هجرة 12 ألف شاب من محافظة تطاوين خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، وقد تحولت إلى ما يشبه كرة الثلج بعدما انخرطت أسر بأكملها في تمويل رحلات الهجرة السرية بكلفة تصل إلى حدود 20 ألف دينار (نحو 6200 دولار أميركي) للفرد الواحد.
وقال بوطالب، لـ"العربي الجديد"، إن "نتائج الدراسة الميدانية التي أجراها في محافظة تطاوين تكاد تكون صادمة"، مؤكداً أن "غالبية العائلات أصبحت منخرطة طوعياً في تمويل مشاريع هجرة أبنائها عبر خط تركيا دول البلقان، ما يتسبب في هجرة الأموال من المنطقة وارتفاع نسبة الفقر والديون لدى العائلات".
وتحدّث بوطالب عن "غياب الوعي الرسمي حول خطورة التحولات التي تشهدها المجتمعات المحلية في محافظات الجنوب التونسي بسبب الهجرة"، مرجّحاً أن "تكون السلطة منخرطة في التشجيع على هجرة الشباب في اتفاق سري مع دول أوروبية"، مشيراً إلى أن "هجرة الشباب في محافظة تطاوين تحوّلت إلى ظاهرة شمولية بصدد التمدد إلى محافظات أخرى جنوب تونس، وخصوصاً مدنين".
ولفت إلى أن "غالبية الشباب المهاجرين هم من مدن تطاوين والصمار وبني مهيرة والبير الأحمر، وقد شاركوا في الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة في ما يعرف باحتجاجات الكامور. كما شعروا بخيبة أمل بعد تنصل السلطات من اتفاقات تشغيلهم" .
واعتصام الكامور حركة احتجاجية شهدتها منطقة الكامور البترولية في ولاية تطاوين جنوب تونس في ربيع 2017. واندلعت الاحتجاجات في الولاية للمطالبة بالتنمية والتشغيل والتوزيع العادل للثروات الطبيعية.
وعن تداعيات هجرة الشباب من مدن الجنوب التونسي، يقول الباحث نجيب بوطالب: "المجتمعات المحلية مهددة بشكل فعلي بفقدان اليد العاملة"، مؤكداً أن "المهاجرين ينتمون إلى الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 18 و35 عاماً، وهي الفئة الأكثر قدرة على النشاط والعمل".
كما أشار إلى أن "فقدان اليد العاملة المحلية في تطاوين تعوّضها اليد العاملة الأجنبية من مهاجرين من دول جنوب الصحراء، الأمر الذي يساعد مستقبلاً على توطين هؤلاء المهاجرين وتشكيل مشهد اجتماعي جديد في مجتمعات كانت تتسم بالانغلاق".
أضاف أن "أحد انعكاسات هجرة الشباب الذكور هو أن معدلات العنوسة في المنطقة ستزداد بسبب هجرة الرجال في سن الزواج وإمكانية زواجهم من أجنبيات من أجل الحصول على أوراق إقامة في دول المهجر" .
وطالب بوطالب بضرورة العمل على الحد من ظاهرة الهجرة وتدخل الجهات الرسمية من أجل كبحها ومعالجتها. أضاف: "الأسر في تطاوين أصبحت تقيم الولائم احتفالاً بنجاح رحلات هجرة أبنائهم"، مؤكداً بروز ظواهر لاختلال المعايير الاجتماعية.
وكشف تقرير للحكومة الإيطالية أن نسبة الهجرة السرية وعمليات إنزال القوارب على الحدود الإيطالية ارتفعت بنسبة 40 في المائة منذ بداية العام الحالي وحتى يوليو/ تموز الماضي. واحتلت تونس المرتبة الثانية في عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا، تسبقها كل من ليبيا وتركيا، بحسب البيانات الرسمية المعلن عنها من قبل السلطات الإيطالية.
وقدرت السلطات الإيطالية عدد التونسيين الواصلين إلى أراضيها منذ بداية العام الحالي وحتى يوليو/ تموز الماضي بحوالي 125 ألفاً و36 شخصاً، من بينهم 6 آلاف قاصر، في وقت بلغ عدد الواصلين من ليبيا حوالي الضعف وبواقع 248 ألفاً و9 مهاجرين.