وقف الستيني عبد الغني العواودة مذهولاً أمام المشهد الذي حل بخيامه وخيام نجليه معاذ وأنس، وحظائر الأغنام التي تعود لهم، في خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية الفلسطينية بالضفة الغربية، بعد أن سوتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي بالأرض، يوم الإثنين، بعد رفضهم تفكيكها طواعية ونقلها إلى منطقة بديلة.
"لم يتركوا لنا شيئاً، هدموا وصادروا خيمتين للسكن وبركساً للأغنام كنت أملكهما، والخيمة التي تؤوي عائلة معاذ والرابعة لعائلة أنس، حيث بتنا جميعاً في العراء، أكثر من عشرين نفراً مع العشرات من رؤوس الأغنام، سننام الليلة مفترشين الأرض وملتحفين السماء"، يقول العواودة لـ"العربي الجديد".
ما جرى مع عائلة العواودة انطبق تماماً على ساكني خربة حمصة" جميعاً، وهم 11 عائلة بعدد أفراد يفوق الثمانين، في أكبر عملية تهجير تتم في الأغوار الفلسطينية خلال الفترة الماضية، وهي التي أتت بعد نحو سبعين يوماً فقط على هدم الاحتلال غالبية مساكن الخربة وتهجير جزء كبير من قاطنيها، بحجة كونها منطقة عسكرية مغلقة.
أكثر من سبعين فلسطينياً في العراء.. الاحتلال يعيد تفكيك وتدمير مساكن وحظائر في قرية حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية.#فلسطين pic.twitter.com/3xjZYb5lAP
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 1, 2021
"وكأن زلزالاً ضربها ولم يبقِ فيها شيئاً على حاله"، يقول مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس والأغوار معتز بشارات لـ"العربي الجديد"، الذي يشدد على أن "الهدم طاول كل المنشآت السكنية، ما ترك ما يزيد عن 85 فرداً مشردين بلا مأوى، كما أتى على بركسات وحظائر الماشية، وأتلف أطنان الأعلاف وخزانات المياه والحمامات المتنقلة وألواح الخلايا الشمسية، التي تعتبر المصدر الوحيد للكهرباء في الخربة".
ويلفت بشارات إلى أن عائلتي العواودة وأبو الكباش تسكنان المنطقة منذ عقود طويلة، وتعملان في تجارة المواشي ورعي الأغنام.
وحول الهدف مما جرى، أكد بشارات أن الاحتلال يريد حمصة خالية تماماً من البشر والحجر والدواب، لتصبح لقمة سائغة للمستوطنين يستفيدون منها في الزراعة والرعي، وكذلك لجيش الاحتلال لينفذ بها تدريباته العسكرية. ويضيف: "لذلك، فإن الاحتلال نفذ عمليات تهجير قسرية بشكل كامل للأهالي، نحو أراضي قريتي فروش بيت دجن وعين شبلي، في الأغوار الوسطى، إلى الشرق من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وهذا يعني أنه لن يسمح لهم بالعودة إلى حمصة إلى الأبد".
بذريعة التدريبات العسكرية، يُجبر المواطنون في الأغوار على ترك بيوتهم المبنية من الصفيح أو الخيام، ومزارعهم ومراعيهم، لتتحول إلى مسرح للدبابات والآليات الثقيلة التي تصول وتجول وتطلق ذخيرتها الحية وقذائف المدفعية تاركة خلفها الخراب والدمار.
وقد حوّل الاحتلال ما يزيد عن 400 ألف دونم في الأغوار الفلسطينية إلى مناطق عسكرية مغلقة، يحظر فيها على الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو غير ذلك، وأنشأت قوات الاحتلال 97 موقعاً عسكريّاً هناك.
كما زرع الاحتلال المئات من الدونمات الزراعية في الأغوار بالألغام الأرضية، حتى باتت تلك المناطق محاذية لبعض التجمعات السكنية البدوية، مثل خربة يرزا ومنطقة واد المالح، حيث الألغام موجودة بين منازلهم وفي مراعيهم، وقرب مصادر المياه.