نقابة المحامين الفلسطينيين تشلّ القضاء رفضاً لتعديلات قانونية "تمسّ العدالة"
أعلنت نقابة المحامين الفلسطينيين في بيان صحافي، مساء اليوم الثلاثاء، تعليق العمل امام المحاكم النظامية والعسكرية والإدارية طيلة يوم غد الأربعاء وبعد غد الخميس، بما يشمل تعليق العمل أمام النيابات العامة المدنية والعسكرية والإدارية باستثناء السندات العدلية وإخلاءات السبيل وتمديد التوقيف، واسترداد أوامر الحبس والطلبات المستعجلة.
وأكدت النقابة على إحالة المحامين الذين انتهكوا تعليق العمل المعلن من النقابة إلى مجالس تأديبية واعتبارهم موقوفين عن العمل.
وتعود الأزمة بين نقابة المحامين الفلسطينيين من جهة، ومجلس القضاء الأعلى والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، إلى الواجهة، وهذه المرة بسبب بدء سريان مفعول تعديلات على قوانين "التنفيذ وأصول المحاكمات المدنية والتجارية والإجراءات الجزائية" التي أقرّها الرئيس محمود عباس في شهر مارس/ آذار الماضي.
وقد تم تجميد نفاذ هذه التعديلات من أجل عرضها على المجلس التنسيقي لقطاع العدالة، وهو عرض يقول نقيب المحامين سهيل عاشور، لـ"العربي الجديد"، إنه لم يحصل خلال أشهر، بل بدأ نفاذ التعديلات منذ بداية الشهر الجاري.
وفيما ترى نقابة المحامين، في بيان لها، أنّ التعديلات لها "آثار خطيرة محدقة بالسلم الأهلي وحق الأفراد بمحاكمة عادلة والتقاضي أمام قاضيهم الطبيعي"، يؤكد مجلس القضاء الأعلى بالمقابل في بيان له أنه "يسعى إلى تقليل أمد التقاضي، والوصول إلى العدالة الناجزة".
وبدأ نفاذ التعديلات كما هي دون الأخذ بأي من ملاحظات النقابة التي قدمتها بمذكرة قانونية، ولذا تخوض تصعيدا منذ يومين وصل إلى حد تنظيم مسيرة إلى مقر المقاطعة (الرئاسة)، في رام الله، هتفت لاستقلال القضاء وضد رئيس مجلس القضاء الأعلى بهتافات تطالبه بالرحيل، لكن الأمن الفلسطيني اعترض المسيرة ومنع تقدمها، فيما اضطر نقيب المحامين وعدد من أعضاء مجلس النقابة للذهاب إلى ديوان الرئاسة لتسليم مذكرة احتجاج موجهة للرئيس محمود عباس، بعد أن كانت النقابة قد أعلنت تعليق دوام المحامين، الإثنين والثلاثاء، في جميع المحاكم النظامية والتسوية والعسكرية والإدارية، والنيابات المدنية والعسكرية والإدارية والدوائر الرسمية وكتاب العدل، أي مقاطعة كاملة لكل أركان القضاء، فيما لم تعلن بعد عن الخطوات المقبلة.
ولمعرفة أسباب اعتراض المحامين على التعديلات القانونية، تحدّث "العربي الجديد" خلال فعاليات نقابة المحامين مع أحد المحامين المخضرمين، هو شكري العابودي، الذي يواصل مهنة المحاماة منذ 42 عاماً، متشبثاً بضرورة الحفاظ على مبدأ الاستقرار في المعاملات في القضاء، والذي يرى أن التعديلات الحالية ستخل به، وستحرم المواطن من حقوقه، مكتفياً بالإشارة لمثال واحد من التعديلات، وهو تكليف المتهم بإحضار شهوده، وإن لم يفعل يعتبر عاجزا، أي يحرم من حق الدفاع، وهو حق مقدس، حسب العابودي، وهو ما من شأنه هدم ركن من أركان العدالة.
ويرى العابودي أن لذلك أثراً سلبياً جداً على المحامي أيضا، الذي سيحرم من تقديم البينات وستضيع جهوده، ولا يستطيع إثبات براءة موكله، ما يعني الإخلال بالمحاكمة.
ويرى أمين سر نقابة المحامين داود درعاوي في تلك النقطة المتعلقة بالشهود هروبا من التزام المحكمة تجاه إحضار الشهود بتكليف النيابة العامة بذلك، لكنه يسرد لـ"العربي الجديد"، عدة نقاط أخرى يرى فيها مسا بالمحاكمات العادلة، ومنها نظر المحكمة في الاستئناف في جرائم تصل عقوبتها إلى 15 عاماً تدقيقاً، أي دون جلسة تحوي مرافعات الدفاع والنيابة، بما ينتهك مبدأ علنية المحاكمة.
ويؤكد درعاوي أن من التعديلات ما أتاح السير بالمحاكمة لمتهمين إذا كان هناك عدم قدرة على نقلهم للمحكمة، محذرا من أثر ذلك على رقابة المحكمة على حالة المتهمين أو تعرضهم للتعذيب، كما يقول إن التعديلات ألغت درجة من درجات التقاضي، وهي محكمة النقض، بحيث يتم النظر في الطعن بقرار محكمة الصلح في الجنح التي تصل عقوبتها لثلاثة أعوام تدقيقا من محكمة البداية، أي دون محاكمة علنية ودون أن تستمع للبينات، ويصبح القرار قطعيا دون إمكانية الطعن عليه، كما أشار إلى أن التعديلات تدفع بقاضي الصلح ليحل محل النيابة في تقديم الاتهام وبأن يصبح وكيلا للحق العام وبالوقت نفسه قاضيا.
يقول نقيب المحامين إن النقابة رفعت كل الملاحظات للمجلس التنسيقي لقطاع العدالة، والذي شكل بقرار من الرئيس عباس، لكن المجلس لم ينعقد لإجراء التعديلات، ولذا قررت النقابة الاحتجاج بمسيرة نحو الرئاسة وتسليم رسالة تطالب بوقف نفاذ التعديلات لحين اجتماع المجلس التنسيقي وإجراء التعديلات اللازمة للحفاظ على الحقوق والحريات والسلم الأهلي وكرامة المحامي.
وكان النقيب، خلال مؤتمر صحافي، الإثنين، قد كشف عن محاولات النقابة على مدار شهر لوقف سريان التعديلات، ومن ذلك اجتماعات مع رئيس الوزراء، والمستشار القانوني للرئيس، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، بل تم التوصل مع الأخير إلى توافق على تعديلات على أكثر من مادة قبل سريان المفعول لكن ذلك لم يتم، وحول الفعاليات والرسالة الموجهة للرئيس عباس، قال: من حقنا لقاء الرئيس وإيصال مظلمتنا إليه.
وفي إجابة عن سؤال لـ"العربي الجديد" حول مل إذا كانت النقابة لم تستطع حتى اللحظة لقاء عباس، أجاب: "نحن مجلس منتخب منذ شهر تقريبا وخلال هذا الشهر مررنا بالعديد من الأزمات، والعديد من التواصل، وكان الرئيس في أغلب الأوقات مشغولا، بالتالي لم نتمكن من التشرف بلقائه، ولكن إن شاء الله في القريب العاجل سيكون لنا موعد معه وسنلتقي به".
وفي المقابل، يرى مجلس القضاء الأعلى ردا على إجراءات النقابة، في بيان له، أن التحدي الرئيسي الذي يواجه القضاء هو إطالة أمد التقاضي، وأن تجاوز ذلك أولوية، وأن تعديل النصوص القانونية التي تقوم على تسريع السير بالدعوى لا يعني إنكارا للعدالة بل إظهارا لها.
وأشار البيان إلى أن المجلس توافق مع نقيب المحامين على تعديل المادة 32 من قانون التنفيذ، وسيتم التنسيب للرئيس لإجراء التعديل عليها، والمجلس منفتح على الحوار بشأن باقي القوانين الإجرائية.
واعتبر المجلس أن ما سماه تعطيل السير بالدعاوى أمام المحاكم النظامية، في إشارة لتعليق المحامين دوامهم، يسبب تأخيراً طويلاً بالسير بإجراءات الدعاوى التي كانت منظورة بسبب إصدار آلاف التبليغات للأطراف الذين لم يحضروا، وتعطيلاً للشهود والخبراء المدعوين، وإرهاقاً كبيراً للموظفين والمحضرين بإصدار تبليغات جديدة وتسليمها، وهدراً للمال العام.
ويعتبر أمين سر نقابة المحامين داود درعاوي أنّ الخلل هو تعويض النقص في القضاة والموظفين وأعضاء النيابة بإجراءات وتعديلات قانونية تزيح الحمل عنهم على حساب العدالة.
ويرى أن الخلل بدأ عند تشكيل لجنة مصغرة من عدة أشخاص لتقديم تعديلات على قوانين أقرت من المجلس التشريعي بثلاث قراءات وبقراءة عامة، وإجراءات ونقاشات مجتمعية استمرت لأكثر من عامين، وأن من بين أعضاء اللجنة أعضاء نيابة عامة يعتبرون خصما في الدعاوى، وقضاة من المفترض أنهم محايدون، لكنهم قدموا مجموعة ملاحظات هدفت لتخفيف الضغط على القضاة وأعضاء النيابة والتخفيف من المسؤوليات عنهم على حساب العدالة.
ويرى حقوقيون أن المسألة الأساسية تكمن في العدد الكبير من القرارات بقوانين التي تصدر من الرئيس عباس منذ توقف المجلس التشريعي عن الانعقاد عام 2007 بسبب الانقسام الفلسطيني، ولاحقا بسبب قرار حله في العام 2018.
وبهذا الصدد، يقول المستشار القانوني لمؤسسة الحق أشرف أبو حية، لـ"العربي الجديد"، إن تلك القرارات بقوانين يجري نقاشها وإعدادها في مساحات ضيقة جدا من بعض الجهات المتنفذة، وفي بعض الأحيان في محل تعارض، كما حصل بتعديل قانون السلطة القضائية الذي شكل على أساسه مجلس قضاء أعلى انتقالي وعين رئيس له، أنيط به تعديل قوانين القضاء، وأدت تلك التعديلات إلى إعادة تعيين رئيس مجلس القضاء الانتقالي رئيسا لمجلس القضاء.