دعت عشرات النقابات العمالية في الجزائر الرئيس عبد المجيد تبون إلى التدخل لسحب مسودتي القانونين المتعلقين بممارسة الحق النقابي وقانون الوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وحق الإضراب، اللتين أحالتهما الحكومة إلى البرلمان، بسبب ما تعتبره "مساساً خطيراً بالحقوق الدستورية والحريات النقابية".
وطالبت 31 نقابة مستقلة في قطاع الوظيفة العمومية تبون، بصفته القاضي الأول في البلاد، بـ"التدخل من أجل سحب المشروعين استجابة لتعهداته بحماية الحريات وترقية العمل النقابي"، وأعلنت خلال اجتماع عقدته لاتخاذ موقف موحد "رفضها المشروعين لمساسهما الخطير وغير المسبوق بالحقوق والحريات النقابية ومخالفتهما الدستور والاتفاقيات الدولية".
وحمّلت النقابات "نواب البرلمان كامل المسؤولية في حال تمريرهم المشروعين بهذا الشكل الذي يقضي على الحريات النقابية والعمل النقابي"، مشيرة إلى أن إعداد هذين القانونين تم من دون منح النقابات العمالية "حق المشاركة في مناقشتهما علماً أنها المعنية الأولى بتطبيقهما على أرض الواقع"، ودعت كافة القواعد النقابية والعمالية للاستعداد لتصعيد الموقف، و"تحمّل كامل مسؤولياتها حيال تحديات المرحلة الراهنة التي تواجه مستقبل حرية العمل النقابي وحق الإضراب. كما تهيب بكل العمال والموظفين في جميع القطاعات الاستعداد للنضال دفاعاً عن حقوقهم المشروعة".
وتجري لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني نقاشات أولية حول مسودة ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب، قبل إحالتهما إلى جلسة النقاش العام. ويشدد القانونان الجديدان شروط إنشاء النقابات والاعتراف بتمثيليتها شرط حصولها على انخراط ثلث العمال المراد لها تمثيلهم، كما تتضمن بنوداً مشددة على الحق في الإضراب، وتلغي الحق في انتداب النقابيين، وتعتبر أن تفرغهم للعمل النقابي سيكون على عاتق النقابات لناحية أجورهم الشهرية وليس المؤسسات التي يعملون فيها.
للمرة الأولى في تاريخه، يعلن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، النقابة المركزية في البلاد، والموالي للسلطة، عن موقف معارض لمشروع تطرحه الأخيرة. وأعلنت الفروع النقابية للاتحاد عن سلسلة بيانات ترفض مسودة قانون ممارسة الحق النقابي. وأصدرت قيادة الاتحاد بياناً، السبت الماضي، أعقب اجتماعاً طارئاً قالت فيه: "للأسف، لم يتم إشراكها في التحضير لهذا المشروع من أجل إثراء أكبر لمحتواه، وذلك تماشياً مع ما أكد عليه رئيس الجمهورية المتعلق بإشراك المنظمات التمثيلية في إثراء المشروعين، بهدف تعزيز واستدارك النقائص المسجلة من أجل التعددية النقابية"، واعتبرت أن "مواد المشروعين تتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، والدستور الجزائري في ما يخص الحقوق المدنية والسياسية".
ولم يرق المشروعان إلى مستوى تعزيز العمل النقابي والحريات في الجزائر. وأعلنت التحضير لعقد اجتماع لاحق اللجنة التنفيذية الوطنية، وهي أعلى هيئة نقابية للاتحاد العام للعمال الجزائريين لاتخاذ الخطوات اللازمة.
وفي السياق، وصفت النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية المسودات الجديدة بـ"الخطيرة"، وأفاد بيان للنقابة بأنه "إلى جانب التضييق المباشر على حرية الممارسة النقابية من خلال مشروع قانون جديد يحدد شروط العمل النقابي، فهناك مشروع قانون آخر لا يقل خطورة كونه يعد تقييداً لحق أساسي من حقوق المواطن الدستورية، وهو حق الإضراب".
وانضمت حركة البناء الوطني إلى أحزاب سياسية تعارض المسودات، كحزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية. وطالبت الحركة في بيان أخير، الحكومة بإجراء نقاش حيال هذه المسودات قبل عرضها على البرلمان، ومراجعة المواد التي تتنافى مع مضامين الدستور، والحرص على تجسيد هامش أكبر من الديمقراطيات والحريات والحقوق النقابية في الممارسة النقابية، بما يساهم في ترقية مناخ العمل، بعد ملاحظتها وجود ردود أولية من قبل قوى سياسية وتنظيمات نقابية متحفظة.
وأعلنت أنه على الرغم من بعض التعديلات الإيجابية، ومنها ما يتعلق بأخلاقيات العمل النقابي وحظر الممارسات السابقة التي ميزت سلوك بعض النقابات في موالاتها لأطراف معينة ودعم توجهاتها لتقاطع الأهداف السياسية وارتباط المصالح المتبادلة، إلا أن هناك حزمة تحفظات تتعلق "بمنع حرية الانتماء السياسي للمناضل النقابي لحزب يثير مخاوفنا من تكريس عزلة الأحزاب السياسية عن أحد أهم أوعيتها القاعدية".