يُمثّل ملفّ مكبّات النفايات في تونس تهديداً للسلم المجتمعي، وقد تجاوز المخاطر البيئية ليمتد إلى علاقة المواطنين بالدولة ودوائر الحكم المحلية مع توسّع رفض الأهالي لتحويل مناطقهم إلى مكبّات للنفايات، مطالبين الحكومة بوضع سياسة عامة للتصرّف في النفايات تحمي حقوقهم في العيش في بيئة سليمة. وبسبب توسّع دائرة الرفض لفتح مكبّات جديدة قريبة من مناطق سكنية، تزيد نسبة التوتر في عدد من محافظات البلاد، في وقت ترصد المنظمات المدنية شهرياً احتجاجات لأهالي عنوانها الرئيسي "سكّر المصب" (أغلق المكب). وتقترب غالبيّة المكبّات المراقبة في تونس من الإغلاق بعدما بلغت طاقتها الاستيعابية القصوى، في وقت أصدر القضاء العديد من قرارات الإغلاق بناء على دعاوى تقدم بها الأهالي في المناطق القريبة من المكبات. إلّا أنّ وزارة البيئة تُمانع إغلاق المكبّات نظراً إلى غياب بدائل وتعثّر إستراتيجية الحكومة الخاصة بالتصرف في النفايات، منها إعادة التدوير التي تحد من مخاطرها.
مؤخّراً، فجّرت أزمة النفايات في محافظة صفاقس، التي باتت تحتوي على نحو 30 ألف طن من النفايات نتيجة إغلاق مكب عقارب، أزمة المكبات المراقبة في البلاد. وطالبت المنظّمات المدنية الحكومة بإنهاء سياسة فرض الأمر الواقع على المواطنين وإيجاد حلول جذرية لإيجاد بدائل عن المكبات التي بلغت طاقتها الاستيعابية القصوى.
ويقول عضو الجامعة العامة للبلديات رضا اللوح، إنّ "العمر الافتراضي لـ 6 مكبات من مجموع 11 مكباً مراقباً قد انتهى، من بينها مكبات بلغت طاقتها الاستيعابية القصوى منذ عام 2013، إلا أنها ما زالت تستخدم لتجنّب تكدس النفايات داخل المدن". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ "غياب إستراتيجية وطنية لإعادة تدوير النفايات والاكتفاء بحلول مثل الردم داخل المكبات يزيد من صعوبة الخروج من مأزق النفايات الذي تتخبط فيه البلاد بسبب عدم قدرة المكبات على استيعاب مئات الأطنان من النفايات يومياً". ويضيف أن "المكبات المخصصة للنفايات الخطرة بلغت طاقتها القصوى"، معتبراً أن مواصلة استعمالها بشكل مؤقت أمر مقلق لما لذلك من مخاطر على البيئة والمواطنين.
ويشير اللوح إلى أن فتح مكبات جديدة أو توسعة القديمة منها يواجه برفض مجتمعي واسع من قبل أهالي تلك المناطق، ما يسبب تصادماً بين السلطة والمواطنين. ويوضح أن المعالجة الأمنية بفرض سياسة الأمر الواقع يهدد السلم الأهلي، ولا يمثل الحل الأمثل لهذا الملف الشائك.
ويطالب عضو في المكتب التنفيذي للجامعة العامة للبلديين بإشراك المجتمع المدني مستقبلاً في الخيارات الحكومية لملف النفايات ليتقبلها الأهالي، وبالتالي تجنّب الاحتقان الذي ينجم عن التصدي المجتمعي لفتح مكبات جديدة أو توسعة البعض منها.
وحالياً، تشهد البلاد احتجاجاً رافضاً لإعادة فتح واستغلال مكب النفايات القنة الصادر في شأنه قرار إغلاق نهائي منذ يوليو/ تموز 2019، وذلك على خلفية قرار جديد لإعادة فتحه واستغلاله، ما أدى إلى مواجهات دامية بين الأمن والمحتجين. وعلى مدى السنوات الماضية، شهدت البلاد العديد من التحركات في هذا الإطار، منها إطلاق حملة "سكر المصب" برج شاكير (أكبر المكبات في العاصمة)، بالإضافة إلى احتجاجات رافضة لرمي أطنان من النفايات الخطرة في شواطئ قابس وصفاقس ومناطق أخرى.
إلى ذلك، يقول المتحدّث باسم التنسيقيّة الوطنية للحركات الاجتماعية عبد الحق البسدوري، إن سياسة الهرب الى الأمام والترهيب التي تعتمدها السلطة لن تؤدي إلى حل المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، بل ستدفع إلى مزيد من العنف والعنف المضاد. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "تواصل اعتماد ما وصفه بالمنهاج المنتهي الصلاحية والفاشل إزاء تراكم الإشكاليات، والذي لم تجد له وزارة البيئة ومؤسسات الدولة حلاً غير القتل العمد، إما بالتلوث عن طريق النفايات أو اختناقاً بالغاز في الساحات العامة".
ويؤكّد أنّ "الحلول للأزمات المترتبة على المشاكل البيئية لا يمكن أن تكون أمنيّة، وإنّما تعالج بالحوار مع أصحاب الحقوق وبإشراك الكفاءات وبالاعتماد على البحث العلمي في تدوير النفايات والاستثمار فيها وبتطبيق القانون والالتزام بالتعهدات".
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن تونس تنتج سنوياً ما يزيد عن 2.6 مليون طن من النفايات المنزلية، توزع على 11 مكباً، مراقب قانونياً، وتديرها ثلاث شركات خاصة. ولا تتوفر أرقام رسمية عن عدد المكبات العشوائية الموزعة في مختلف مناطق البلاد بالقرب من المجمعات السكنية وفي المحيط البيئي وفي عمق الضواحي والأرياف التونسية. ولم تنجح الأجهزة المختصة التابعة للدولة في إغلاقها أو إعادة تأهيلها على أسس علمية بحسب المعايير الدولية، بسبب ضعف الإمكانات المالية وانتشار المكبات وتعددها". في المقابل، يتجاوز الحجم السنوي للنفايات الخطرة في تونس ستة ملايين ونصف مليون طن، يجري التصرف فيها بوسائل مختلفة وسط عجز الدولة عن معالجتها.
ومنذ عام 2000، منحت 196 رخصة للتصرف بالنفايات الخطرة منها 86 سارية المفعول، بينما انتهت صلاحية 20 رخصة تخص جمع ونقل النفايات نحو مركز معالجة النفايات الصناعية في جرادو. وتقدّر الإحصائيات الرسمية لمحكمة المحاسبات كمية النفايات الخطرة التي يجري إلقاؤها في المحيط البيئي بـ 142 ألف طن سنوياً من دون اكتراث بتداعياتها البيئية أو بتكاليف إزالتها التي تقدّر بـ 670 مليون دينار تونسي سنوياً.