فاق التضخّم قدرات كثير من الموظّفين البريطانيين على توفير التكاليف المعيشية اليومية، ما دفع الكثير منهم إلى طلب زيادة أجورهم، أو التحول إلى وظيفة أخرى، والبعض بات يعمل في وظيفتين، ونجمت عن الأزمة المعيشية، التي تتفاقم منذ العام الماضي، إضرابات شملت القطاعات الأساسية في البلاد، من المدرسين إلى عمّال السكك الحديدية والممرضين وموظفي البريد.
في ظلّ تردّي الأحوال، أظهرت دراسة، أجراها موقع التوظيف الرائد "CV-Library" في نهاية العام الماضي، أنّ ثلاثة أرباع الموظفين في المملكة المتحدة يفكّرون في الحصول على وظيفة جديدة بسبب زيادة تكاليف المعيشة الناتجة عن التضخم، فضلاً عن نقص كبير في أعداد العمالة في عدد من القطاعات، من بينها الصحّة والضيافة.
ووجد استطلاع، أجرته شركة "يوغوف" المختصة بأبحاث الأسواق، أنّ أكثر من الربع بقليل، من بين 40 في المائة من الأشخاص، الذين طلبوا زيادة في الأجور، نجحوا في الحصول عليها، بينما فشل الباقين.
بالتزامن مع ذلك، بدأ خبراء التوظيف تقديم النصائح حول الأوقات والأسباب المناسبة لرفع نسب النجاح في الحصول على زيادة الأجر، أو البحث عن وظيفة بديلة.
وحسب الخبراء، فإنه عند التفكير في طلب زيادة أجر، وبغية تحقيق هذا الهدف، ينبغي تقديم الأسباب التي تؤهل لاستحقاقها، على سبيل المثال، التركيز على زيادة المسؤوليات الموكلة إلينا منذ آخر مراجعة للرواتب، أو اكتسابنا لخبرات جديدة، أو التميّز في العمل.
ويرى خبراء آخرون أنّ الأفضل أحياناً هو مقارنة راتبك مع الرواتب التي تدفعها المؤسسات المنافسة لمجاراة التضخم وتكلفة المعيشة، وما يحتاجه الشخص ليعيش نمط الحياة الذي يريده، بدلاً من التركيز على قيمتك الفردية، أو أن تناقش عوامل السوق التي تبرر زيادة راتبك، مثل نقص المهارات في قطاعك، أو ارتفاع الطلب على مهاراتك أو مؤهلاتك.
ويشير الخبراء إلى ضرورة تقديم طلب زيادة الأجر باعتماد نسبة مئوية، وليس على مبلغ محدّد من المال، لأنها الوسيلة التي يستخدمها أفراد الشؤون المالية أو قسم الموارد البشرية، كما أنه لدعم إمكانية الحصول على ردود إيجابية، من الأفضل طلب الزيادة وجهاً لوجه، وليس من خلال بريد إلكتروني أو رسالة نصية.
أما القواعد الأساسية لوقت طلب الزيادة، فتشمل ألّا تطلب زيادة أكثر من مرّة في السنة، وأن يكون ذلك بعد تجاوز ستة أشهر على الأقل من الانضمام إلى الشركة، أو انتظار موعد إجراء مراجعات الأداء السنوية التي تجريها العديد من الشركات لتتعرف على قدرات الموظفين والتحديات التي يواجهونها.
ويرى الخبراء أنّ الفرصة كبيرة في إمكانية زيادة الرواتب السنوية خلال هذا الوقت، كما أنه يغنيك عن الحاجة إلى الطلب. لذا فمع اقتراب موعد تقييم الموظفين، يوصي المتخصّصون بأنّ من المهم إظهار القيمة التي يضيفها عملك إلى الشركة.
يقول العشريني البريطاني كودي لـ"العربي الجديد": "بعد تقدمي لعشرات الوظائف، حصلت أخيراً على وظيفة في شركة مبيعات، وعندها شعرت بالأمان، والقدرة على دفع فواتيري الأساسية. في البداية، كنت أتوقع أن يحصل الموظفون على زيادات في الأجور من دون الحاجة إلى طلب ذلك. لكن بعد نحو ثلاث سنوات على توظيفي، ومع ارتفاع الأسعار في البلاد، بدأت التفكير في كيفية طلب زيادة. بيد أنّني كنت أشعر بالقلق من التحدّث إلى مديري خوفاً من الرفض". يتابع الشاب: "على مدار أشهر، ظللت أبحث عن المكافآت والزيادات التي يحظى بها العاملون في شركات مماثلة، كما استشرت الأصدقاء والأقارب، وقبل شهر تقريباً، ناقشت المسألة مع مديري، وفوجئت بموافقته السريعة على زيادة راتبي ليتناسب مع يحصل عليه الموظفون أمثالي في الشركات المنافسة".
تعمل الخمسينية ليشا مساعدة في مكتب، وتقول إنّها صدمت برفض المدير زيادة راتبها، وتهديده غير المباشر لها باستبدالها بموظف أصغر سنّاً، وبراتب أقل. تضيف: "أعلم أنّ خريجي الجامعات الجدد الباحثين عن عمل بالمئات، ومن الطبيعي أن يقبلوا بالحد الأدنى للراتب، بيد أنّني أستغرب استعداد بعض الشركات للتخلّي عن الخبرة الطويلة للموظفين المتفانين في العمل لسنوات، وتوظيف شباب بكفاءات أقل لأن رواتبهم أقل. تعلُّم هؤلاء المؤهلات المطلوبة سيحتاج إلى استثمار أموال ووقت أكبر من الزيادة البسيطة على الأجر التي طلبتها".
وتظهر أحدث أرقام مكتب الإحصاء الوطني (حكومي) أنّ متوسط أجور القطاع العام، باستثناء المكافآت، ارتفع بنسبة 6.4 في المائة خلال الفترة من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في حين ارتفعت أجور القطاع الخاص بنسبة 7.2 في المائة. بيد أنّ عمال القطاع العام يبقون الأكثر تضرّراً، إذ انخفضت قيمة الأجور الحقيقية بنسبة 2.6 في المائة بسبب التضخم.