مع تفاقم الأزمات الداخلية في كازاخستان، الجمهورية السوفييتية السابقة، بالتزامن مع الحرب الروسية على أوكرانيا، تختار مزيد من الكازاخيات الإنجاب خارج بلدهن بحثاً عن مستوى خدمات طبية أفضل، ومستقبل لأبنائهم الذين قد يكسبون جنسية بلد ثان بحكم الولادة.
تبدأ كلفة إنجاب الكازاخية في الولايات المتحدة، كمثال، نحو 20 ألف دولار شاملة رعاية ما قبل الولادة، والاستقبال والإقامة لمدة شهرين، إضافة إلى إجراءات ورسوم استخراج شهادة الميلاد الأميركية، وتضاف إلى هذا المبلغ تكاليف السفر إلى الولايات المتحدة، والتنقلات الداخلية، والطعام، وشراء مستلزمات الطفل.
ويرجع رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، ميل الكازاخيات للإنجاب في الدول الغربية إلى الأزمات الحادة التي يمر بها بلدهم، وعزوف قطاع عريض من المواطنين عن الهجرة إلى روسيا بسبب نزاعها مع أوكرانيا.
يقول ميندكوفيتش، في حديث مع "العربي الجديد": "تقبل الكازاخيات على الإنجاب في الخارج نظراً للأزمة المعيشية الحادة في البلد، ومن أوضح مظاهرها انهيار منظومة التدفئة خلال الشتاء الأخير، إذ كانت السلطات تضطر لإجلاء السكان من مدن كاملة بسبب عدم توفر التدفئة في ظل طقس شديد البرودة. أضف إلى ذلك زيادة تفاقم معدلات البطالة، وإفقار الطبقة الوسطى في المدن، ما تسبب في زيادة معدلات الجريمة، وقد انعكس الغضب المجتمعي على نتائج الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، إذ مني بفشل كبير".
ويلفت ميندكوفيتش إلى أن "الإنجاب في الخارج يتيح للطفل الحصول على جنسية بلد آخر، وسمات إقامة لوالديه. حتى مطلع عام 2022، كان أغلب المهاجرين الكازاخ الباحثين عن الاستقرار وجودة الحياة يختارون روسيا، والتي يقيم فيها حالياً أكثر من 900 ألف مواطن كازاخي الأصل. لكن الصعوبات الناجمة عن النزاع في أوكرانيا أثارت مخاوف كثيرة لدى قسم كبير من المهاجرين، فباتوا يفكرون في وجهات أخرى، بما فيها الولايات المتحدة".
ولا تزال الولايات المتحدة التي تمنح جنسيتها تلقائياً لمن ولدوا على أراضيها، هي الوجهة الرئيسية لسياحة الإنجاب، من كازاخستان وبلدان أخرى كثيرة. وأرجعت أيدانا عمر اختيار مدينة ميامي الأميركية كوجهة لإنجاب طفلها الأول، إلى ما يتمتع به حملة الجنسية الأميركية من فرص، من بينها الدراسة، والمستوى العالي للخدمات الطبية، والعمل لاحقاً.
تقول عمر لصحيفة "أيكين" المحلية: "بدأنا قبل الحمل توفير المال تمهيداً لخطة السفر. لم يكن هناك من نستشيره، لأنه لم يسبق لأي من معارفنا الإنجاب في الولايات المتحدة. لذا بدأنا البحث عن المعلومات بأنفسنا، ووجدنا الكثير من الوكالات التي تنظم رحلات الإنجاب في الخارج، فاشترينا باقة خدمات كاملة. لم نواجه مشكلات في الحصول على التأشيرة، إذ تحدثنا عن هدفنا من السفر إلى الولايات المتحدة أمام موظف التأشيرات في السفارة بشكل صريح".
بدورها، تقول طبيبة النساء والتوليد، أوميت أوتيغين: "هناك نساء أنجبن أربعة أطفال في كازاخستان، والخامس في أميركا، وهن لا يقدمن على هذه الخطوة بسبب عدم ثقتهم في مستوى الطب في بلادنا، وإنما من أجل مستقبل أطفالهن. من يتوفر لديه مال يمكنه الإنجاب في أي مكان".
وبحسب صحيفة "كارافان" الكازاخية، فإنه من بين مزايا الإنجاب في الدول المتقدمة، تخصيص غرفة فردية للمرأة، والسماح لزوجها أو أحد أفراد عائلاتها بالإقامة معها، ووضع المولود تحت إشراف مختصين، وذلك على عكس ما يجري في كازاخستان، حيث يتم تسليم الطفل للأم فور استفاقتها بعد الولادة.
وتحتل كازاخستان المرتبة الـ42 عالمياً، من حيث معدلات وفيات الأمهات، والمرتبة الـ79 من حيث وفيات الأطفال، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، لتكون الأسوأ ضمن بلدان رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي من جهة معدل وفيات الأطفال الرضع، وهو ما يزيد من قلق الأمهات على أطفالهن.
ومن اللافت أن الولايات المتحدة ليست مصنفة ضمن الدول الـ20 الأفضل من حيث أمان الإنجاب، ورغم أنها تحتل المرتبة 33 في التصنيف العالمي حسب منظمة "أنقذوا الأطفال"، إلا أن ذلك لا يثني الآلاف من جميع الجنسيات، عن حسم خيارهن لصالح الإنجاب فيها بحثاً عن الحصول على الجنسية لأبنائهن.
وينص التعديل الـ14 للدستور الأميركي على أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة، ومواطنين بالولاية التي يقيمون فيها"، وذلك بصرف النظر عما إذا كان أي من والديهم يحمل الجنسية الأميركية أم لا.