نساء الجزائر في جحيم "القتل العائلي"

26 نوفمبر 2021
العلاقات العائلية تغيّرت في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

 

تتفلت جرائم القتل العائلية المرتكبة في الجزائر من أيّ قيود وضوابط. ويعزوها محللون إلى اضطرابات مالية ونفسية يواجهها الرجال، والنتائج ارتفاع في عدد الضحايا من الجزائريات.

تشهد محافظات الجزائر منذ فترة جرائم قتل عائلية مرعبة تستهدف النساء خصوصاً، وتشكل ظاهرة لا سابق لها في المجتمع تجاه المرأة. ومؤخراً قتل شرطي في الأربعينات من العمر زوجته وابنتيه القاصرتين في مدينة الطاهير بمحافظة جيجل (شرق)، ثم أنهى حياته بإطلاق رصاصة على رأسه، ما يسلّط الضوء على ظاهرة العنف الذي يزيد ارتكاب جرائم القتل داخل العائلات. وقبل أشهر من الواقعة أردى شرطي يعمل في مركز أمني بمدينة عنابة (شرق) زوجته وثلاثة من أفراد عائلتها داخل شقتهم بسبب خلافات زوجية، وشهدت محافظة وهران (غرب) ذبح رجل زوجته من الوريد الى الوريد، ثم تسليم نفسه إلى أجهزة الأمن التي اعترف لها بجريمته. وفي الجزائر العاصمة، قتل رجل زوجته الحامل في شهرها الثامن، وأخرج جنينها من بطنها في جريمة هزّت الرأي العام، فيما شهدت مدينة ورفلة (جنوب) العام الماضي ذبح مؤذن زوجته الحامل والأم لأربعة أطفال بعد 12 عاماً من الزواج، قبل أن يزعم لدى مثوله أمام أجهزة الأمن أنه مصاب باضطرابات نفسية، لكن القضاء أدانه بالإعدام.

وتتعدد أسباب هذه الحوادث بين مشكلات وخلافات عائلية، أو ظروف وضغوط اجتماعية واقتصادية، في حين زادت أزمة تفشي وباء كورونا وتجربة العيش وسط إجراءات الحجز الصحي والإغلاق في إطار التدابير المتخذة لمواجهة الجائحة ومكافحتها، تعقيدات الوضع والضغوط الاجتماعية المرتبطة بتراجع إمكانات العيش والخوف من المجهول، وحوّلت الحياة الأسرية الى جحيم.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ولا توجد تقارير محددة تحصي عدد حالات قتل النساء داخل العائلات. لكن بيانات رسمية نشرتها مديرية الأمن الوطني تكشف تقديم 7083 شكوى لممارسات عنف ضد النساء في النصف الأول من العام الجاري بينها 5133 حالة عنف جسدي، وسقوط 16 ضحية من النساء، بينما تشير إحصاءات أجريت العام الماضي إلى ارتكاب أكثر 40 جريمة قتل ضد النساء بعضها داخل العائلات، ما دفع بناشطات نسويات الى التحرك وإطلاق مبادرة "نساء متحدات ضد العنف"، بالتزامن مع اتخاذ السلطات إجراءات لمحاولة كبح الظاهرة تشمل سن قوانين لحماية النساء من العنف، وتنظيم مبادرات وحلقات دراسية لتسليط الضوء عليها.

يحاول خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس تفسير تزايد ظاهرة جرائم القتل العائلية آخذين في الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية السائدة في المجتمع الجزائري والأسباب التي تدفع في اتجاه مزيد من العنف داخل الأسرة والمجتمع. يقول المتخصص في علم الاجتماع الجنائي الدكتور رشيد زواد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "الظاهرة ترتبط بعوامل اجتماعية مثل ضغوط أزمة السكن الخانقة التي تواجهها العائلات، وتساهم في تغيير شخصيات أفرادها في تعاملهم مع العلاقات، وبينها تلك التي تجمع الزوجات مع أمهات أزواجهن وأقاربهم، والتي قد تؤدي أيضاً إلى رفض بعضهن العيش وسط عائلة كبيرة، وحدوث خلافات يومية ومشكلات تفرض ضغوطاً كبيرة على الرجل وتحوّله الى شخص مضطرب نفسياً وفي حالة هستيريا دائمة قد تقوده الى ارتكاب جريمة قتل، أو الاعتداء بقسوة على زوجته وأولاده، من دون أن يدرك فعلياً طبيعة أفعاله، وحجم تأثيرها السلبي الكبير على عائلته وحياته".

الصورة
ملفات قتل "عائلية" كثيرة أمام القضاء (العربي الجديد)
ملفات قتل "عائلية" كثيرة أمام القضاء (العربي الجديد)

ويربط زواد تزايد الجرائم بـ "انهيار القيم والتخلي عن العادات والتقاليد التي شكلت دائماً ضوابط اجتماعية تمنع حصول تصرفات سلبية داخل المجتمع، وكذلك بتدهور الوضع الاقتصادي الذي زاد غلاء الأسعار، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة بسبب أزمة كورونا، والتأثير المهم لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي على شخصية النساء اللواتي يوسعن قوائم مطالبهن اليومية في ظل انفتاحتهن على العالم الخارجي، ما يخلق ضغوطاً كبيرة لأزواجهن".

في السياق، يبدي المتخصص في علم النفس حمزة بلعباس، في حديثه لـ"العربي الجديد" اعتقاده بأن "مشكلات الخلافات العائلية التي تتطور أحياناً الى أذى جسدي وحالات قتل ترتبط غالباً بعدم تفهّم الأزواج للحالات النفسية لشركائهم، ما يخلق خلافات ويزيد التصرفات العدائية. ومع تزايد الضغوط النفسية التي تترافق مع ضعف في الشخصية وتراجع عوامل الردع الاجتماعي للتصرفات غير المقبولة، تتجمع الأسباب التي توّلد جرائم القتل". 

لكن بلعباس يستدرك بأن "نتائج وخيمة تنجم عن ظاهرة ارتكاب الجرائم وتداعياتها، ليس فقط على صعيد تفكك الأسر وانهيارها، فمصير الزوج قد يكون السجن والزوجة قد تنقل إلى المستشفى أو المقبرة، ويتعرض الأطفال للضياع. وقد تستمر العقد في التحكم بسلوك الأزواج غير القادرين على التكيف مع مشكلاتهم الحياتية ومراعاة متطلبات الظروف العائلية والرضوخ لأحكامها، في حين أنه لا تتوافر غالباً إمكانات لإعادة تأهيلهم نفسياً من الصدمات الاجتماعية وتلك المرتبطة بالعلاقات الثنائية التي قد يكونوا تعرضوا لها، وأوجدت لديهم الرغبة الجامحة في الانتقام من الآخر في أية فرصة سانحة".

المساهمون