شهدت الجزائر مقتل 37 امرأة على الأقل منذ بداية العام الجاري. وتُطالب الجمعيات بتجريم قتل النساء. صحيح أن الدستور ينصّ على حماية المرأة من كل أشكال العنف، إلا أن قانون الأسرة وصمت أقارب الضحايا لا يزالان يسمحان بإعفاء مقترفيه بسهولة.
"لقد أحرق مستقبلي!". لم تكن تدري ريما عنان (28 عاماً)، وهي تنتظر وحدها الحافلة التي تقلها إلى تيزي وزو (تقع على بعد 100 كيلومتراً شرق العاصمة الجزائر) في موقف الحافلات فجر 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ حياتها ستنقلب رأساً على عقب. لم تكن مُدرّسة اللغة الفرنسية تعرف أنّه يتم تعقبها. يخرج رجل من العدم مستفيداً من خلو الشارع صباحاً، ويرشها بالوقود ويضرم فيها النار من ولاعته ثم يلوذ بالفرار. ركضت الشابة المفجوعة والمصدومة إلى منزلها وهي تكافح ألسنة اللهب التي تلتهم جسدها. على الرغم من الألم الشديد، أخبرت عائلتها أن المعتدي كان قد تقدم لخطبتها ورفضته. وسلم نفسه لمصالح الأمن التي أودعته الحبس.
نقلت الشابة إلى المستشفى وكانت بين الحياة والموت. احترق أكثر من 60 في المائة من جسدها، وخصوصاً ظهرها ورقبتها، ونقلت في النهاية إلى مستشفى في إسبانيا. تأثر مئات الجزائريين، وحتى في الخارج، لصور الضحية وهي ملفوفة بلا حراك، محملة على نقالة قبل وضعها في سيارة الإسعاف الطبية التي نقلتها إلى طائرة متوقفة على مدرج مطار الجزائر العاصمة. وهذه هي إحدى المحاولات الكثيرة لقتل النساء في البلاد.
أنقذت حياة ريما عنان. ويعرب أطباء إسبان اعتنوا بها عن تفاؤلهم بتعافيها وفقاً لأفراد عائلتها، إلا أن نساء أخريات لم يحالفهن الحظ. في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتحديداً في ضواحي مدينة وهران، ذبحت تواتية معزوز (26 عاماً) من الوريد إلى الوريد على يد زوج شقيقتها. ووفقاً لصفحة Féminicides Algérie (قتل النساء في الجزائر) على موقع "فيسبوك"، التي ترصد جرائم قتل النساء، كانت معزوز ترعى أيتام شقيقتها المتوفاة مؤخراً. لسبب غير معروف، عمد الأرمل إلى قطع رأس خالة أطفاله. هي الضحية الـ 37 في الجزائر منذ بداية العام الجاري وفقاً لهذه المجموعة التي يقتصر بحثها على كشف المقالات الصحفية، بحسب الناشطة النسوية شريفة خضار، التي تناضل من أجل تجريم قتل الإناث.
قانون الأسرة ضد الدستور
بالنسبة لغالبية النسويات الجزائريات، تُرتكب الجرائم لأن القانون لا يحمي المرأة بشكل كاف. في مادته الأربعين، يؤكد الدستور الجزائري على ما يلي: "تحمي الدولة المرأة من كل أشكال العنف في كل الأماكن والظروف، في الفضاء العام وفي المجالين المهني والخاص. ويضمن القانون استفادة الضحايا من هياكل الاستقبال وأنظمة التكفل ومساعدة قضائية".
لكن "هناك تناقض كبير بين الدستور وقانون الأسرة"، الأمر الذي يجعل المرأة تحت وصاية الرجل، تقول عالمة الاجتماع فاطمة أوصديق التي نشرت العديد من الكتب حول وضع المرأة في الجزائر. وتُناضل منذ سنوات طويلة من أجل حمايتها. وتقول المحامية نادية آيت زاي: "يجب الاعتراف بقتل النساء كجريمة".
وليس هذا نقطة التناقض الوحيدة. فإذا كان الدستور يكرّس "المساواة" بين الجنسين، فإن قانون الأسرة لا يمنح الحقوق نفسها للرجال والنساء. والأسوأ من ذلك، تقول ناشطات إنه في حالات العنف الأسري على سبيل المثال، "يحق للرجل أن يطلب وقف الملاحقة القضائية إذا ما قدم اعتذاراً".
ويُعاقب قانون العقوبات الجزائري منذ 2015 مرتكبي العنف ضد المرأة. كما يعاقب، نظرياً، التحرش في الشوارع والتحرش الجنسي. ولكن يبقى ذلك في مجال النوايا فقط. بحسب العديد من الناشطات في مجال حقوق الإنسان، فإن معظم حالات العنف، وخصوصاً تلك التي تحدث في الفضاء الأسري، لا يتم التبليغ عنها للجهات القضائية. والأسوأ من ذلك، وفقاً للمادة 279 من قانون العقوبات الجزائري، فإن جرائم القتل التي ترتكب في حالات التلبس بالزنا يمكن تبريرها ويمكن تخفيف العقوبة إلى أقل من خمس سنوات. كما أن قانون الأسرة أدخل مفهوم "العفو" الذي يسقط جميع إجراءات المتابعة ضد العنف الأسري. إلا أنه لا توجد أي مادة مخصصة لقتل الإناث، والتي ما زال غير معترف بها في القانون. وعام 2021، أشارت الأجهزة الأمنية إلى تسجيل أكثر من 8 آلاف شكوى تتعلق بـ "العنف الأسري" من دون تقديم الكثير من التفاصيل.
عشاق "مرفوضون"؟
في ظل غياب أبحاث حول الموضوع، يبدو من المستحيل تقريباً تحديد ملامح مرتكبي جرائم قتل النساء. وهو عمل يزداد تعقيداً بسبب غياب إحصائيات مقدمة من قبل السلطات، على الرغم من وجود وزارة مخصصة للمرأة (وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة). وتقول المحامية نادية آيت زاي، وهي مؤسسة لمركز دراسة حقوق الطفل والمرأة: "في كثير من الأحيان، ووفقاً للأوصاف التي تقدمها وسائل الإعلام، يتعلق الأمر برجال مرفوضين، كما هو الحال بالنسبة لريما عنان". وهناك حالات مماثلة أثارتها وسائل الإعلام والجمعيات، ومنها قضية غنية وطار. هذه الثلاثينية وهي من الأشخاص ذوي الإعاقة وكانت تعيش بمدينة سدراتة (شرق الجزائر)، قتلت على يد رجل كانت تريد الانفصال عنه، وفقاً لمجموعة "فيمينيسيد الجزائر" التي تقول إن الضحية ماتت نتيجة الضرب المبرح.
وكان غضب "العاشق المرفوض" وراء اغتيال المحامية الشابة ياسمين طرفي ميتة في يوليو/ تموز 2020. وجدت في سيارة في البويرة (100 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة)، وسمح التحقيق بتوقيف ثلاثة مشتبه بهم، أحدهم الرجل الذي رفضته. ولأنه لم يطق رؤيتها مع رجل غيره، يكون المشتبه به الرئيسي قد اتفق مع إثنين من أصدقائه على اغتصاب الفتاة جماعياً قبل قتلها.
ويؤدي هذا النوع من "الانتقام" إلى أفعال لا توصف. ذلك ما حدث لشيماء. اغتصبت الفتاة البالغة من العمر 19 عاماً، وقطع رأسها ثم أحرقت من قبل أحد جيرانها ذي السوابق العدلية في أحد الأحياء القصديرية بالرغاية (إحدى ضواحي شرق العاصمة الجزائر).
وقبل عامين من ذلك اليوم، أي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كانت قد اشتكته لمصالح الأمن التي اعتقلته بتهمة محاولة الاغتصاب، وقد قضى أكثر من عامين في السجن. لكن بمجرد خروجه، حاول الشاب إعادة التواصل بشيماء. وأخذها إلى مزرعة منعزلة واغتصبها وضربها ثم وضع البنزين على جسدها وأحرقها. وعثر عليه بعد ثلاثة أيام من ذلك بمحطة وقود مهجورة بالثنية على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة. سلم المعتدي نفسه للأجهزة الأمنية، غير أن القضية التي تم تداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي حركت مشاعر البلاد بأسرها وأبرزت ممارسة إجرامية قديمة لم تختف بعد.
بالإضافة إلى هذه الجرائم العنيفة جداً، هناك أشكال أكثر "كلاسيكية" لقتل النساء تنقلها وسائل الإعلام. وغالباً ما يتعلق الأمر بمشاكل زوجية تنتهي بمأساة. ويحدث ذلك في أماكن عامة أحياناً، مثل تلك السيدة التي طعنها زوجها حتى الموت بتيزي وزو. حصل ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بمحطة للحافلات أمام مرأى المارة وبقية المسافرين. وفي الشهر نفسه والمدينة نفسها، قتل رجل زوجته في صالونها للحلاقة بعد شجار. وتم توقيف الرجلين وحكم عليهما لاحقاً بأحكام ثقيلة، لكن لم يوقف هذا دوامة قتل النساء.
لوم على "أخطاء" الضحايا
وحتى منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، رصدت مجموعة "فيمينيسيد الجزائر" 37 جريمة قتل للنساء في البلاد، وكان عددهن 62 عام 2021، قتلن على يد أحد الأقارب أو المعارف، وفقاً لإحصائيات جمعيات عدة. وتشير هذه الأخيرة إلى صعوبة الحصول على العدد الحقيقي للضحايا بسبب التابوهات التي تدفع العائلات إلى التكتم. وتعد جريمة ارتكبت في يناير/ كانون الثاني عام 2021 مثالاً عن ذلك. قتلت تين هينان لعصب، وهي صحافية بالتلفزيون الحكومي الجزائري، على يد زوجها بعد سلسلة من الشجارات الزوجية، كما أبلغت صديقات الضحية التي كانت تُسِر لهن بمعاناتها. ولكن تفاجأ الجميع بطلب والد الأم الشابة لطفلتين من وسائل الإعلام التوقف عن الحديث عن "عملية قتل امرأة". بالنسبة له، الأمر يتعلق بمجرد حادث.
لماذا هذا الموقف؟ ترى مؤسسة جمعية "جزائرنا" لمكافحة العنف ضد النساء شريفة خضار، أن هذا السلوك يهدف إلى "تجنب ذكر أخطاء محتملة تكون قد ارتكبتها الضحية". وبعبارة "خطأ"، تلمح الناشطة إلى حالات الزنا التي يلوم بعض الأزواج زوجاتهم عليها قبل المرور إلى الفعل. لكن خضار تعترض على ذلك قائلة: "حتى وإن تبين أن هذه الأخطاء صحيحة، فهناك دائماً حلولاً أخرى من دون اللجوء إلى العنف". وتأسف لكون المجتمع "كثيراً ما يؤيد مقترفي هذه الجرائم".
وتقول منددة: "كثيراً ما تتم محاولة تبرير هذه الجرائم التي يرتكبها الرجال". وفي هذا السياق، تستشهد بحالة أثارت صخباً إعلامياً كبيراً: "أدلى أستاذ في الطب مصطفى خياطي، وهو رئيس جمعية لمساعدة الأطفال ضحايا الصدمات، بتصريح يبرر قتل فتاة من خلال استحضار مسؤولية عائلتها وخصوصاً الوالدين. وقال للصحافة: لا بد أن ابنتهم قد أقامت علاقات سهلة مع الناس، وقد تركت نفسها تنخدع إما من خلال الشبكات الاجتماعية أو مباشرة مع أشخاص. في العادة، عندما تحصل الفتاة على تربية جيدة، لا ينبغي أن تُكون صداقات أو حتى علاقات بسيطة مع أي شخص. يجب أن تعرف من هو وكيف يتصرف، إلا إذا كان زميلاً في المدرسة أو الكلية. تسمح التربية للفرد بالمحافظة على نفسه وحمايتها. إذا لم تكن هناك آليات وردود فعل تغرسها البيئة الأسرية، من الذي يعطيها للفرد؟ هذا غير ممكن". وبعد أيام من ذلك برر نفسه بالإشارة إلى وجود "واقع اجتماعي". لكن على مستوى الشبكات الاجتماعية، كما هو الحال لدى العديد من المواطنين، فإن العنف الذي يرتكبه الرجل يكون مبرراً بالضرورة بـ "خطأ" من المرأة.
وضع "رب الأسرة"
تعود تبريرات العنف ضد المرأة بشكل عام، وجرائم قتل النساء بشكل خاص، جزئياً إلى "أزمة الذكورة"، كما تقول أوصديق. بالنسبة إليها، يرتبط هذا العنف، الذي قد يصل أحياناً إلى مستوى متطرف، بـ "تطور" مكانة المرأة في المجتمع الجزائري. وتعني الباحثة بأزمة الذكورة وضع يجد الرجال أنفسهم فيه لا تحتاجهم النساء بالضرورة للعيش، وهو وضع لا يتقبلونه.
وترى أن كون "الفتيات أكثر تفوقاً في الجامعات ويأخذن مجالاً أكبر وأن العزوبة الدائمة تظهر بين النساء اللواتي يقفن نداً للرجال"، هناك أزمة هوية تدفع هؤلاء إلى العنف. وترى أن "الاستقلالية المادية للمرأة الجزائرية تتيح لها مثلاً رفض الرجل، وهو ما لا يقبله الأخير. شعور مستوحى من قانون الأسرة المستوحى من الشريعة الذي يمنح للرجال مكانة الرب، رب الأسرة.
وتقول أوصديق: "هنا نجد أنفسنا في موقف صعب بشكل خاص. وتقول الإيديولوجيا المهيمنة للرجال بأنهم أرباب العائلة، وهي صيغة مكررة في قانون الأسرة". تضيف أنها على وعي أن مسارها الشخصي قد يكون مثالاً للشابات الجزائريات: "موضوعياً، يمكن لنساء مثلي أن يكن مرجعاً بالنسبة للشابات الصغيرات لكننا نشكل عنفاً بالنسبة للنساء الحاليات" اللواتي يُعتبرن خاضعات أكثر وبالتالي هن أكثر عرضة إلى هيمنة ذكورية. وتشير إلى أنه "لدينا استقلالية في الحركة، نحن متزوجات، أمهات، ونحن جدات وهذا يعني أن ذلك ممكن لنساء أخريات".
في غضون، ذلك تواصل جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة إحصاء ونشر أرقام جرائم قتل النساء ومحاولة مساعدة ضحايا العنف منهن. وما زالت ريما عنان تتلقى العلاج في مدريد على أمل النجاة. وهو "حظ" لم تحصل عليه أولئك اللواتي قضين.
يُنشر بالتزامن مع موقع أوريان 21
https://orientxxi.info/ar