استمع إلى الملخص
- **التحديات الاجتماعية والقانونية:** يواجهون نظرة ازدراء من المجتمع، وتطالب فاطمة عبد الموجود الحكومة بإعادة النظر في عدم قانونية أعمالهم وتوفير حماية وتأمين صحي لهم.
- **التأثير الاقتصادي والحلول المقترحة:** يشير المهندس أسامة الخولي إلى أن النباشين يهدرون مكاسب مالية على الحكومة، ويطالب أحمد شحاته باتخاذ إجراءات قانونية رادعة وتوفير تغطية صحية لهم.
تحت أشعة الشمس الحارقة في الصيف، أو في البرد القارس في الشتاء، يخوض "نباشو القمامة" غمار العمل الشاق في بحثهم اليومي عن رزق غير مؤكد في شوارع مصر وأزقتها، والذي قد يوجد في أكوام قمامة تعلو كجبال، وتحمّل في طياتها احتمالات لا تنتهي للإصابة بأمراض خطرة.
يطلق اسم "نباشي القمامة" على العمال غير الرسميين الذين يفحصون النفايات المنزلية والحاويات في الشوارع والأحياء فحصاً يدوياً، أو باستخدام عربات تجرها حيوانات بغرض فرز المخلفات للحصول على مواد ذات قيمة وقابلة لإعادة الاستعمال مثل الورق والبلاستيك والخردة المعدنية من أجل بيعها وجني بعض المال.
وفي الفترة الأخيرة تفاقمت ظاهرة "النباشين"، وتحوّلت في عدد من مناطق مصر وشوارعها إلى أزمة لا تنتهي بينهم وبين الوحدات المحلية في كل محافظة. وتتصاعد الاتهامات الموجهة إليهم بتشويه الوجه الحضاري للمناطق والمدن، وزيادة المخاطر البيئية والصحية التي يتعرض لها المواطنون بسبب نبشهم أكياس القمامة.
ورغم أن مخاطر صحية جسيمة تتربص بـ"النباشين" بسبب طبيعة عملهم غير الصحية بين القمامة والنفايات الضارّة، والمخاطر القانونية التي تجبرهم على التخفي والهروب من رجال الشرطة، لكنهم يغامرون من أجل إطعام الأبناء.
يقول محمد السيد، أحد "نباشي القمامة" في غرب الإسكندرية لـ"العربي الجديد": "نبدأ العمل من الساعة السادسة صباحاً وإلى المساء. نتوزع أفراداً أو مجموعات على مناطق معينة لجمع المخلفات المستعملة، ومواد النفايات التي يستغني عنها الآخرون. ويتخصص (نباشون) في مواد معينة، فينتقي بعضهم الورق والكرتون، وآخرون البلاستيك والحديد والمواد الصلبة. لا أملك خياراً آخر لإطعام أسرتي، وقد ورثت المهنة من أبي ولا أعرف غيرها، وتساعدني زوجتي وطفلي في العمل، ونستطيع بصعوبة أن نوفر قوت يومنا رغم أننا نتعرض لإصابات وأمراض خطيرة طوال الوقت".
فشلت الحكومة المصرية في دمج النباشين بمنظومة النظافة الرسمية
وتقول فاطمة عبد الموجود التي تنبش القمامة في وسط الإسكندرية، لـ"العربي الجديد": "العمل شاق، خاصة في درجات الحرارة المرتفعة، ولا بدّ خلاله من التعامل مع الروائح الكريهة، وفرز مواد خطرة مثل زجاج مكسور أو حقن طبية مستعملة أو مواد حادة. رغم ذلك ينظر الجميع إلينا بازدراء بدلاً من توجيه الشكر إلى الدور الحيوي الذي نؤديه في الحفاظ على النظافة العامة. لماذا كل هذا التعالي علينا في حين أننا جزء من منظومة النظافة، حتى لو بطريقة غير رسمية؟ لولا نشاطنا لكانت أكوام القمامة جبالاً في الشوارع والميادين بسبب العجز عن التعامل معها".
وتطالب فاطمة الحكومة بإعادة النظر في عدم قانونية أعمال "النباشين"، مؤكدة أهمية اعتبارهم جزءاً من حلّ أزمة النظافة في مصر، وتوفير وسائل حماية كافية لهم، وتأمين صحي يكفل علاجهم في حالات المرض أو الإصابة، وذلك مقابل التزام "النباشين" بالتعليمات التنظيمية والإجراءات التي تطلبها الجهات الحكومية.
في المقابل، يعتبر عضو المجلس المحلي السابق بالإسكندرية، عبد المنعم عبد العزيز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، انتشار "النباشين" في الشوارع ظاهرة مضرّة للجميع، "فهم يجوبون الشوارع بحثاً عن مخلفات صلبة ومنتجات قابلة للتدوير وإعادة الإنتاج من أجل الإفادة من بيعها، بينما يخلفون وراءهم أكواماً من أكياس القمامة الممزقة والمبعثرة على نواصي الشوارع، ومظهراً غير حضاري يترافق مع انتشار الحشرات والقوارض التي تجلب الأمراض للسكان".
يضيف: "حاولت الحكومة مرات دمج النباشين في منظومة النظافة الرسمية، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب إصرارهم على الاندماج بشروطهم وليس وفقاً لما يسمح به القانون، وذلك في ما يخص الرواتب ومواعيد العمل وأساليبه".
وشدد على ضرورة تنظيم حملات مستمرة للقضاء على ظاهرة "النباشين"، وإعادة المظهر الحضاري إلى الشوارع مع توفير أماكن عمل صحية لتخزين النفايات ومعالجتها وتوفير البنى التحتية لتنفيذ عمليات الفرز وإعادة التدوير.
ويقول المهندس أسامة الخولي، رئيس مجلس إدارة شركة النظافة بمحافظة الإسكندرية لـ"العربي الجديد": "نسبة كبيرة من القمامة هي مخلفات صلبة يمكن الإفادة منها عبر إعادة التدوير، لكن النباشين يستحوذون عليها وينتشلون أفضل ما فيها، ثم يبقى غالباً ما يكون عديم القيمة، ويدخل في مصانع تدوير القمامة الرسمية ما يُهدر مكاسب مالية طائلة على الحكومة، ويعيق أي استثمارات جدّية في هذا الشأن".
ويشير الخولي إلى أن المخلفات التي يجري رفعها يومياً من شوارع محافظة الإسكندرية تتراوح بين 4100 و5000 طن يُنقل جزء منها إلى المحطات الوسيطة تمهيداً لنقلها إلى المدافن الصحية بمدينة الحمام حيث تطمر بحسب المواصفات القياسية العالمية، ويدخل الجزء الثاني في مصانع التدوير وإنتاج السماد العضوي.
ويوضح أن شركات النظافة تتحمل خسائر كبيرة بسبب ما يصفه بأنها "جيش النباشين" المنتشر في شوارع الجمهورية الذي ينتشل أفراده أفضل ما في القمامة ويجمعون منها المواد الصلبة مثل الكرتون والكانز وأي مخلفات معدنية، ويتركون باقي المخلفات عديمة القيمة بالشارع. ويؤدي ذلك إلى ضياع فرص الاستثمار في مجال القمامة وتدويرها.
بدوره، يرى عضو لجنة الرصد البيئي بمحافظة الإسكندرية، أحمد شحاته، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "ظاهرة النباشين من أخطر الأزمات التي تعانيها المدينة الساحلية ليس فقط بسبب تشوية المظهر العام في الشوارع وتلويث البيئة عبر بعثرة المخلفات في الطرقات وفض محتويات الحاويات، بل بالتعدي على العاملين، ومشاركتهم في بعض الأحيان في سرقة الصناديق الخاصة بجمع القمامة".
ويطالب شحاتة باتخاذ إجراءات قانونية وتشريعات تضمن تطبيق قانون تنظيم إدارة المخلفات، وتضمينها عقوبات رادعة تكفي للحدّ من الظاهرة، أو تخصيص فضاءات لـ"النباشين" بعيدة عن الكتل السكنية من أجل ممارسة أعمالهم فيها.
أما الدكتور محمد رمضان فيقول لـ"العربي الجديد" إن "عمل نباشي القمامة في ظروف صحية سيئة يعرضهم للإصابة بأمراض خطرة، فهم يتعاملون يومياً مع نفايات تحتوي على فيروسات وبكتيريا تسبّب التهابات الكبد والأمعاء، كما تزيد إصابتهم بأمراض الجهاز التنفسي، مثل السل والربو، بسبب تنفسهم غازات سامة، وعدم توفر وسائل حماية شخصية لهم يرفع مخاطر الإصابات".
يضيف: "ما يثير القلق هو احتمال نقل هؤلاء العمال الأمراض إلى مجتمعاتهم، لذا يجب ضمان تلقيحهم وإجراء فحوص طبية منتظمة لهم وتوفير تغطية صحية ووسائل وقاية شخصية لهم بصرف النظر عن أوضاعهم القانونية للحفاظ على المجتمع."