يعرف أشخاص قليلون في هذه الأيام نبات الهليون إذا صادفوه في البراري والحقول، وهو حال معظم الناس مع عدد كبير من النباتات العشبية البرّية (السليقا) التي كانت سابقاً مصدر غذاء طبيعي وصحي خالٍ من المواد الكيميائية.
ولطالما ارتبط اسم الهليون بالطراوة والنداوة، فهو نبات عشبي معمّر، منه البرّي ومنه البستاني. يتحدث إحسان ضاهر، وهو مهندس زراعي في مجالي الإنتاج النباتي والحيواني، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الهليون له عدة أسماء في الدول العربية، بحسب اختلاف اللهجات في حوض المتوسط، منها اليرامع والحليون والسكوم وغيرها، أما اسمه العلمي فهو (Asparagus)".
ويذكر أن "علماء الأحياء يختلفون حول نسبته، فالبعض يرجعه إلى فصيلة السوسن، وآخرون إلى فصيلة الزنبق، أما المتداول بين الناس فأنه يتبع فصيلة السوسن". يضيف: "الهليون من محاصيل الخضار العشبية ينمو على ساق واحدة من دون أوراق، ويكون أملس في أوائل مراحل حياته، ثم تظهر له أوراق شوكية. وحين يبلغ مرحلة التخشّب تظهر له أزهار في بذور صغيرة جرسيّة، وقد يصل طول نباته إلى مترين".
وينمو الهليون في أودية حيث الرطوبة المرتفعة، وبين صخور وتحت أشجار زيتون وقرب السواقي ومجاري الأنهار الموسمية، ويتميّز بطعمه ونكهته التي تشبه طعم الكبد الذي يأكله الناس من الضأن والماعز والبقر.
ويشرح ضاهر أن "الطرف العلوي من نبات الهليون يجمع حين يكون طرياً وندياً، ويستعمل هذا الجزء لأكله نيّئاً أو مقليّاً أو لعمل حساء، كما يُطبخ مع لحوم حمراء أو بيضاء، ويدخل في مطابخ عربية وأوروبية وأميركية عدة".
يُضيف: "تستعمل باقي أجزاء الهليون مثل الجذور والبذور في صناعة الأدوية، إذ يعتبر مفيداً لعلاج الكبد والكلى والمثانة، وله العديد من الفوائد الصحية، لكن خبراء يحذرون من تناوله بكثرة إذا كان الجهاز البولي والكلى عند الشخص تفرز حصى".
ويقول رمزي البحري المتحدر من جديدة مرجعيون جنوب لبنان لـ"العربي الجديد": "أتنقل بين حقول البلدة بحثاً عن الهليون مع بدء موسمه، وللأسف يعرف ناس قليلون الهليون في البراري هذه الأيام، ويكتفون بشرائه معلّباً من محلات تجارية، علماً أنه ينتشر كثيراً في لبنان والمنطقة".
ويعتبر أن "البحث عن الهليون في البرّية يوفر متعة يقلّ نظيرها، حيث تجذب سيقان الهليون الباحثين عنها، وتدفعهم إلى المشي في الطبيعة أطول فترة ممكنة، وهذه رياضة في حدّ ذاتها. ووجبة الهليون نفسها لذيذة وغنية وخفيفة على المعدة، وأنا أحب أن أتناوله مقلياً مع بيض وثوم وبصل، وأضيفه أحياناً بعد سلقه إلى سلطة خضار".
بدوره، يقول النازح السوري إلى لبنان محمد الجهماني الذي ينطلق إلى الحقول وجوانب سواقي المياه بحثاً عن الهليون، خلال موسمه، لـ"العربي الجديد": "يترافق قطف الهليون مع تأمل الطبيعة. وفي ظل الظروف الصعبة التي نعيشها نستخدمه في تحضير وجبة طعام صحية وغنية من دون تكلفة، ونضيف أنواع مأكولات إليه".
من جهتها، تصف أم خالد غانم (68 عاماً) الهليون بأنه "مصدر غذائي صحي مهم". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنها تعرف الهليون منذ أن كانت طفلة حين كانت تذهب مع والدتها إلى البرية في موسم الربيع، وتعود محمّلة بأنواع كثيرة من الأعشاب البرية بينها الهليون الذي كانت تفضّله على غيره. واليوم تحفظ أم خالد الهليون في ثلاجة بعد تقطيعه وقلْيه بزيت الزيتون، وبهذه الطريقة يمكن أن تتناوله حين تشاء من دون أن تحتاج إلى شرائه معلّباً.
القيمة الغذائية
تؤكد أخصائية التغذية سماح غانم، في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "الهليون غني بحمض الفوليك أسيد، لذا يلعب دوراً كبيراً في منع الإصابة بالاكتئاب، ويحافظ على صحة العظام، ويحسّن امتصاص الكالسيوم. كما أنه غنيّ بالألياف والماء والبوتاسيوم، لذا يعتبر جيداً لصحة الجهاز الهضمي، ومن أجل اتباع حمية لتخفيض الوزن، كما يقلل من الإمساك".
تضيف: "الهليون جيد أيضاً لإدرار البول للأشخاص الذين يعانون من احتباس الماء في الجسم، ولمعالجة مرضى النقرس، ويحتوي على مضادات للأكسدة، ويحارب خلايا سرطانية، كما أنه مفيد لصحة القلب والشرايين".
ويشير خبراء إلى أن الهليون يحتوي على مادة "ليكوبين" االتي ثبت أنها تحمي غدة الموثة (البروستات) من المرض والسرطان، كما أنه غني بالفيتامين "أ" الضروري للجهاز المناعي وصحة العينين، وأيضاً للمساعدة في الحفاظ على لدونة الدماغ ومرونته.
لكن سماح تنبّه إلى أنه "نظراً لاحتواء الهليون على كمية كبيرة من فيتامين كا، لا ينصح بأن يأخذه الأشخاص الذين يتناولون أدوية مسيلة للدم بكميات كبيرة. وبالنسبة إلى قيمته الغذائية فهو خالٍ من الدهون والكولسترول وغني بالمغنيسيوم والفيتامينات مثل سي وبي 6".
وتنصح غانم بتناول الهليون مع وجبة السحور وأيام الصوم بسبب احتوائه على كمية من البوتاسيوم التي تقلل من حدة العطش.
ومن النصائح لاختيار الهليون الطازج عند شرائه أهمية النظر إلى رأس أو زهرة الهليون، ففي حال كانت متماسكة وجامدة يعتبر الهليون حينها طازجاً، أمّا في حال كان رأسه مائلاً للصفرة ويوحي بالذبول فيدلّ ذلك على أن الهليون هنا قديم ولا ينصح بشرائه.
زراعته
ويؤكد ضاهر أن "زراعة الهليون تشهد نمواً جيداً في دول الشرق المتوسط ومختلف دول العالم، وهي ذات مردود مادي جيد علماً أن الهليون لا يحتاج إلى كثير من العناية، إذ يبدأ الإنتاج بعد ثلاث أو أربع سنوات من زراعته، ويستمر بالإنتاج حتى يبلغ عمر 10 سنوات، ثم يستبدل المزارع الأمهات أو الجذور بنبات جديد لإنتاج جديد وجيد".
وتحوّل قطاف الهليون لدى بعض الناس إلى مصدر رزق من خلال عرض الكميات للبيع عند مفترقات طرقات أو في محلات الخضار. ويصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى نحو 3 دولارات. وبات يلاقي إقبالاً لمعرفة الناس بأهميته الصحية والغذائية، خاصة أنه يُقطف من حقول وبرار بعيداً عن التلوّث والمواد الكيمائية.